فذاك يقول منك السير عنه # و تلك تقول منك الاعتزام [1]
التحذير من مفارقة الحبيب
أ ترحل طوع النفس عمّن تحبّه # و تبكي كما يبكي المفارق عن قهر
أقم لا تسر و الحزن عنك بمعزل # و دمعك باق في مآقيك لا يجري
الندم على مفارقته
قال المهلّبي:
من ذا ألوم أنا جنيت فراق من أبكي عليه
و قال قيس بن ذريح [2] :
ندمت على ما فات منّي فقدتني # كما ندم المغبون حين يبيع
فقدتك من قلب شعاع فإنّني # نهيتك عن هذا و أنت جميع [3]
قال المجنون:
فإن ترجع الأيام بيني و بينها # بذي الأثل صيفا مثل صيفي و مربعي [4]
أشدّ بأعناق النّوى بعد هذه # مرائر إن جاذبتها لم تقطع [5]
من ارتحل عنه فأسرع العود شوقا إليه
قيل لجميل: أ ما سمعت قول ابن عمك زهير بن حباب:
إذا ما شئت أن تسلو خليلا # فأكثر دونه عدد الليالي
فما سلى حبيبا مثل نأي # و لا أبلى جديدا كابتذال [6]
قيل: فلو نأيت عنها لسلوت فخرج عنها ليلة ثم رجع و هو يقول:
أ شوقا و لمّا تمض لي غير ليلة # رويد الهوى حتّى تغبّ لياليا [7]
لحا اللّه أقواما ما يقولون إنّنا # وجدنا طوال النّأي للحبّ شافيا
خرج المهدي يريد منزل حسنة، فلما بلغ دارها و ترفعت أستارها اشتاق إلى
[1] الاعتزام: مصدر اعتزم الأمر و على الأمر، أي أراد فعله.
[2] قيس بن ذريح: من شعراء المدينة اشتهر بحبّ لبني بنت الحباب. برع في فن التشبيب و أجاد في وصف لوعة الفراق. مات سنة (687 م) .
[3] من قلب شعاع: أي من قلب بدّده الخوف.
[4] ذو الأثل: موضع-المربع: موضع الإقامة في الرّبيع.
[5] المرائر: جمع مريرة و هي عزّة النفس.
[6] سلى الحبيب: نسيه-النأي: البعد-أبلى الجديد: جعله باليا، أفناه.
[7] رويد: مصدر أرود مصغرا، أي مهلا-تغب الليالي: تتمهّل.