الخيزران فكرّ راجعا و قال: وا سوأتاه من حسنة فإني و اللّه أصابني كما أصاب من يقول:
بينما نحن بالبلاكث فالقا # ع شراعا و العيس تهوي هويّا [1]
خطرت خطرة على القلب من ذكراك # و هنا فما استطعت مضيّا
قلت لبيك إذ دعاني يد الشو # ق و للحاديين كرّا المطيّا [2]
الشوق بعد الارتحال
كان لأعرابي مملوك فاشتراه عراقيّ فلما ارتحل به بكى و أنشد:
أ شوقا و لمّا تمض لي غير ليلة # فكيف إذا سار المطيّ بنا عشرا
أخوكم و مولاكم و صاحب سركم # و من قد نشا فيكم و عاشركم دهرا
فقال له المشتري الحق بأهلك.
و قال المتنبّي:
أرى أسفا و ما سرنا قليلا # فكيف إذا غدا السير ابتراكا [3]
فهذا الشوق قبل البين سيف # و ها أنا ما ضربت و قد أحاكا [4]
قال أشجع:
فها أنت تبكي و هم جيرة # فكيف تكون إذا ودّعوا
قال أبو فراس:
حملت هواك لا جلدا و لكن # صبرت على اختيارك و اضطراري
المفارقة كرها
قال الماني:
لا تنكرنّ رحيلي عنك في عجل # فإنّني لرحيل غير مختار
و ربّما فارق الإنسان مهجته # يوم الوغا غير قال خيفة العار
كراهة فراق من صحبته كرها
قال شاعر:
أقمنا كارهين لها فلمّا # ألفناها خرجنا مكرهينا
و ما شعف البلاد بنا و لكن # أمرّ العيش فرقة من هوينا [5]
خرجت أقرّ ما قد كنت عينا # و خلّفت الفؤاد بها رهينا
[1] بلاكث: موضعان واحد بين المرّ و شبكة الروم فوق خيبر، و آخر أو بلاكث الثانية بين غزة و مدين، و كلاهما على طريق مصر.
[2] لبّيك: أي البابا بك و إقامة على طاعتك-الحاديان: مثنى الحادي و هو سائق الإبل.
[3] غدا السير ابتراكا: أي غدا ذا سرعة.
[4] أحاك: أثّر.
[5] شعف البلاد بنا: ارتفع حبّها إلى أعلى مراتبه-أمرّ العيش: أكثره مرارة.