و قال آخر:
لو لا ثلاث هنّ عيش الدهر # المال و الخبز و أمّ عمرو
من هيّجه الحمام بتغريده
أنشد ابن أبي طاهر و قال هو أحسن ما قيل في بكاء الحمام:
و قلبي أبكى كلّ من كان ذا هوى # هتوف البواكي و الديار البلاقع [1]
و مرّ على الأطلال من كلّ جانب # نوائح ما تخضّل منها المدامع
مزبرجة الأعناق غرّ بطونها # مخطّمة بالدرّ خضر روائع [2]
ترى طررا بين الخوافي كأنّما # حواشي برود أحكمتها الوشائع [3]
و من قطع الياقوت صيغت عيونها # خواضب بالحنّاء منها الأصابع
قال حميد بن ثور:
و ما هاج هذا الشوق إلا حمامة # دعت ساق حرّ ترحة و ترنّما
بكت شجو ثكلى قد أصيب حميمها # مخافة بين يترك الحبل أجذما [4]
فلم أر مثلي شاقه صوت مثلها # و لا عربيا شاقه صوت أعجما
يا ويح قمرية غنّت لنا هزجا # ممّا تغنّي بنظم جدّ متزن
قد كنت واقعة دهرا على فنن # فصرت في جوف منحوت من القنن
فخبّرينا و ما ألقاك مخبرة # أ تسجعين للهو منك أم شجن
و في الفؤاد هموم لست مظهرها # خوف الوشاة و إشفاقا من الزّمن
التذكر بنار موقدة
نظر أعرابي إلى نار بأرض محبوبه فقال:
أنار بدت يا عبد في ساكن الغضا # مع الليل أم برق تلألأ ناضب [5]
[1] البلاقع: بلقع المكان: أي أقفر.
[2] مزبرجة: مزيّنة، محسنة من زبرج الشيء خسته-مخطّمه: جعل الخطام على أنفه، و الخطام ما يوضع في أنف البعير ليقاد به.
[3] حواشي: أطراف-البرود: الثياب المخطّطة الموشاة جمع برد-الوشائع: جمع الوشيعة و هي خشبة يلف عليها لحمة الثوب لينسج.
[4] الأجذم: المقطوع.
[5] الغضا: جمع غضاة و هي شجرة الأثل، و أهل الغضا: سكان نجد.