قيل: مع الاختلاف طمع في الائتلاف و رب مخالفة دعت إلى محالفة و معاسرة [2]
تحمل على المعاشرة. و قيل بإحياء الملاطفة تستمال القلوب العارفة. و قيل: استدم مودّة أخيك بترك الخلاف عليه، ما لم تكن عليك منقصة أو غضاضة. و قال يموت بن مزروع:
سمعت أبي يقول قرأت خمسين ألف بيت و ما وقع لي مثل قوله:
و ما أنا بالشيء الذي ليس نافعي # و يغضب منه صاحبي بقئول
*الأمر بالإغضاء على عيب الصديق
قيل إن جعفرا الصادق كان يقول: لا تفتّش على عيب الصديق، فتبقى بلا صديق.
و أحسن ما قيل في هذا المعنى قول بشّار:
إذا كنت في كلّ الأمور معاتبا # صديقك لم تلق الذي لا تعاتبه
فعش واحدا أو صل أخاك فإنّه # مقارف ذنب مرة و مجانبه [3]
إذا أنت لم تشرب مرارا على القذى # ظمئت و أيّ النّاس تصفو مشاربه؟ [4]
و قال آخر:
و من لا يغمض عينه عن صديقه # و عن بعض ما فيه يمت و هو عاتب
و من يتتبع جاهدا كلّ عثرة # يجدها و لا يسلم له الدهر صاحب
و قيل: لا يجد رفيقا من لم يزدرد ريقا. و قيل: من عاتب في كل وقت أخاه فجدير أن يملّه و يقلاه [5] . و على عكس ذلك قال الشافعي-رحمه اللّه-: ليس بأخيك من احتجت إلى مداراته.
[1] المماراة: مصدر مارى مراء و مماراة (فلانا) : جادله و نازعه و لاجّه.
[3] مقارف: من قارف الذنب أي اقترفه و ارتكبه و خلاف ذلك المجانبة أي الترك.
[4] يقول: إنّ الناس لا تصفو مشاربهم دائما و أنت محمول على مواصلتهم لأن المرء لا يسعه أن يعيش وحيدا و قد شبّه بشار هذا بالحاجة إلى الماء فأحدنا قد يشرب الماء أحيانا كدرا على ما فيه من القذى دفعا للظمإ.