نام کتاب : محاضرات الأدباء و محاورات الشعراء و البلغاء نویسنده : الراغب الأصفهاني جلد : 1 صفحه : 819
التّزهزه للمغني
قيل: أول صلة المغني أن يقال له أحسنت. و حضر جحظة مجلس بعض الكبار مرارا، و كان إذا تغنى يقول له: أحسنت، و لم يكن يخوله شيئا، فقال فيه:
إن تغنيت قال أحسنت زدني # و بأحسنت لا يباع الدّقيق
استطابة الغناء و المغنّي
سمع رجل غناء طيبا، فقيل له كيف تسمعه؟فقال: وددت أن جميع أعضائي مسامع أسمعه بها، فأخذ ذلك الشاعر، فقال:
غنّت فلم تبق فيّ جارحة # إلا تمنّت بأنّها أذن
و قال آخر:
إذا هي غنّت أبهت الناس حسنها # و أطرق إجلالا لها كل حاذق [1]
وصف ابن شريح مغنيا، فقال: كأنما خلق من كل قلب فيغني لكل ما أحب. و قيل لابن جامع: إنك حسن الإيقاع، فقال: برئت من الإسلام إن كنت ضرطت منذ ثلاثين سنة إلا بالإيقاع، فكيف أخرج منه في الغناء.
و قال الواثق: غناء علوية مثل نقر الطست يبقى في السمع بعد سكوته. قال إبراهيم الموصلي: عشقت جارية فهجرت اللذات من أجلها، فبينا أنا جالس إذ استؤذن عليّ لشيخ معه جارية، فأذنت له فدخل، فإذا هي صاحبتي، فجلس الشيخ و قال: أشرب، فدعوت بالنبيذ فشرب ثلاثة أقداح، و قال لي: غن يا أبا إسحاق فتعجبت من جراءته عليّ، و ذلك أن الخليفة كان ينزهني عن ذلك، ثم غنيت، فأخذ العود و اندفع يغني:
سرى يخبط الظلماء و الليل عاكف # غزال بأوقات الزّيارة عارف [2]
فما راعني إلا سلام عليكم # أ أدخل قلت أدخل لما أنت واقف
فتزعزعت الحيطان و أغمي عليّ و على الحاضرين من الغلمان، فلما أفقت إذا بجارية جالسة و الشيخ لم أره، فسألت البواب، فقال: لم أره، و سألت الجارية، فقالت: لا أدري، إلا أنه جاءني على لسانك فلم أجسر على مخالفته، فعلمت أنه أبو مرّة.
و سمع إبراهيم الموصلي غناء مخارق و علوية، فقال: نعم الفسيلتان أنتما لإبليس في الأرض. و قيل: لم يكن في الإسلام أحسن صوتا من مخارق، غنى يوما في منتزه و قد سنحت ظباء فجاءت إعجابا بغنائه، و توسط دجلة يوما و غنّى فلم يبق أحد إلاّ بكى، و كان أبوه جزّارا فكان ينادي على اللحم في صغره فيفتن الناس بحسن صوته، و كان إذا تنفس يطرب من سمع تنفسه.