و قد أحسن، فإن الخمر التي في الجنة لم تطبخ بنار، ثم قوله ضنّت بها الشمس عن النار مع صحة معناه ظريف اللفظ. قال عمرو بن الأهتم:
من كميت أجادها طابخاها # لم تمت كلّ موتها في القدور
وصفها بأنّها تحمّر الوجنة
قال الأعشى:
و سبية ممّا تعتّق بابل # كدم الذبيح سلبتها جريالها [1]
يروى أن الأعشى سئل عن معناه، فقال: شربتها حمراء و بلتها بيضاء. روي أن أبا نواس قال: إنما عنى به ما قلت:
كاس إذا انحدرت عن حلق شاربها # رأيت حمرتها في العين و الخدّ
و قال الناجم:
تنازعنا الخد جريالها # و تهديه للعين يوم الخمار
و قال الناشئ:
نفضت على الأجسام ناصع لونها # و سرت بلذّتها إلى الأرواح
وصفها عند المزاج
قال أبو نواس:
من قهوة جاءتك قبل مزاجها # عطلا فألبسها المزاج وشاحا [2]
و قال الزاهي:
كأنما الماء حين خالطها # أهدى إليها غلائل الشّفق [3]
و قال أبو نواس:
كأن صغرى و كبرى من فواقعها # حصباء درّ على أرض من الذّهب
و قال ابن المعتز:
راح كأن حبابها # درّ يجول مجوّفا
و قال آخر:
تنزو إذا مسّها قرع المزاج كما # تنزو الجنادب أوقات الظهيرات [4]
و قال ابن طباطبا:
إذا ما الماء مازجها تراءت # كما زوّجت بالتّبر اللجينا [5]
[1] الجريال: لون الخمر.
[2] عطلا: خالية، «عارية» .
[3] الغلائل: الدروع و ما يوضع حول العنق و هنا كناية عن قلادة لون الشفق.
[4] تنزو: تثب، و تفور-قرع المزاج: حينما تمزج بالماء.
[5] التبر: الذهب، و اللجين الفضة.