فضل التدبير و ذويه
نظام الأمر التدبير، و رأس الأمر التقدير. و قيل: من فعل بغير تدبير، و قال بغير تقدير، لم يعدم من الناس هازئا و لا حيا.
و قيل: فلان يعرف من أين تؤكل الكتف [1] و يعرف منابت القصيص، و هما مثلان يقالان في من يعرف وجه الأمر.
الحثّ على الاشتغال بما يعنيك عمّا لا يعنيك
قيل لبعض الحكماء: ما الحزم؟قال: حفظ ما كلفت و ترك ما كفيت. و قيل للأحنف: بم سدت قومك؟قال: بتركي من أمرك ما لا يعنيني، كما عناك من أمري ما لا يعنيك.
و قال رجل لأفلاطون [2] لم تختمت في يمينك؟فقال لأعرف المتكلفين، و من يسأل عمّا لا يعنيه.
قال الشاعر:
و لا تعترض في الأمر تكفي شئونه
ذمّ تارك ما يعنيه لما لا يعنيه
قال ابن هرمة [3] :
كتاركة بيضها بالعراء # و ملبسة بيض أخرى جناحا
و قال آخر:
هراق [4] الماء و اتّبع السّرابا
عتب من نصر نفسه لنفع غيره
يكسي الأنام و يعري استه # و ينسل من خلفه الأسفل
[1] من أين تؤكل الكتف: مثل يقال لمن يحسن انتهاز الفرص و الإفادة من السوانح و معرفة دروب النجاح و مسالك الأمور، و مثله قولهم: فلان يعرف منابت القصيص.
[2] أفلاطون: أحد كبار فلاسفة الإغريق. كان تلميذا للحكيم سقراط، و من تلامذته أرسطو رأس فلاسفة اليونان و العالم قبل الميلاد.
[3] ابن هرمة: هو إبراهيم بن هرمة ولد في المدينة سنة 195 هـ (810 م) ، و مدح الخليفة العبّاسي أبا جعفر المنصور و مات سنة 627 هـ (880 م) .
[4] هراق الماء: أي أراق، و كانت بعض قبائل العرب تستعمل الهاء في موضع همزة التعدية مثل هنار و هطاع في موضع أنار و أطاع.