تسهيل قول الشّعر على ذي آلته
عمل سقراط بيتين، فقيل له: ما أحسن ما قلت. فقال: إن حفر بئر بقرب قناة يجري منها الماء، سهل. قال البديهي:
و أرى القوافي لا تصير مطيعة # إلا إلى المثرين من أدواتها
و الطبع ليس بمقنع إلا إذا # حصلت إضافته إلى آلاتها
و قال آخر:
و ما الطبع مغن وحده في نظامه # و لا العلم من حدّ الطّباع بنائب
إذا لم تكن مجموعة أدواته # فأيسر مبناه كنسج العناكب
و قيل: أصح الشعر و أسهله ما يقوله من بعثه أنف [1] أو دخله كلف [2] .
من تداخله لسماعه الأنفة و الحميّة
كان بالمدينة فتى يتعشق امرأة، فوعدته يوما، فلمّا اجتمعا غنّت مغنية بهذا الصوت:
من الخفرات لم تفضح أخاها # و لم ترفع لوالدها شنارا [3]
فأبت إلا الخروج فرجعت إلى منزلها، و بعثت إلى الرجل ألف دينار، و قالت: إن رغبت في فاجعل هذا مهري و اخطبني من أبي.
و دخل رجل على أبي دلف فاستماحه فقال له: أ تسأل و جدّك يقول:
و من يفتقر منّا يعش بحسامه # و من يفتقر من سائر النّاس يسأل
فقال: نعم، و تضجّر. فلقي وكيلا لأبي دلف يأتي بمال فسلبه. و اتصل الخبر بأبي دلف [4] فقال: أنا الذي علمته هذا فدعوه. و هذا الباب من جنس منفعة الشعر.
شعر سائر
قال أبو العتاهية:
في كلّ أرض قرى من منطقي مثلا # بين المشاهد أو يبكي به وتر
و قال الطرمي:
لقد سار لي شرقا و غربا قصائد # تغبّر حسنا في وجوه القصائد
[1] الأنف: مصدر أنف (من العار) : ترفّع و تنزّه عنه.
[2] الكلف: الولوع بالشيء مع انشغال القلب و المشقّة.
[3] الخفرات: الحييات جمع خفرة-الشنار: العار و أقبح العيب.
[4] أبو دلف: هو القاسم بن عيسى أحد قوّاد الخليفة المأمون ثم المعتصم. مات سنة 228 هـ (842 م) و من آثاره كتاب «البزاة و الصيد» ، و «سياسة الملوك» .