فرجته بلسان غير ملتبس # عند الحفاظ و قلب غير مردود
و قال حسّان [1] :
كفى و شفى ما في النفوس فلم يدع # لذي حاجة في القول جدّا و لا هزلا
الموصوف بإنصاف النظّار لديه و السكون في مجلسه
قال أبو تمّام:
ثبت الخطاب إذا اصطكّت بمظلمة # في رحله ألسن الأقوام و الركب
لا المنطق اللخي يزكو في محافله # يوما و لا حجّة الملهوف تستلب [2]
و قال المتنبّي:
الفاصل الحكم عيّ الأوّلون به # و المظهر الحقّ للساهي على الذهن [3]
و كان أبو الشمر إذا ناظر لم يحرّك يديه و لا رأسه، و لا منكبيه حتّى كان كلامه يخرج من صدع صخرة.
و قال الأنصاري:
مجالسهم خفض الحديث و قولهم # إذا ما قضوا في الأمر وحي المحاجر
و إذا هو لا يستبّ خصمان عنده # و لا الصوت مرفوع بجدّ و لا هزل
و هذا منقول من قول الآخر:
و استبّ بعدك يا كليب المجلس
المدفوع عن حجّة قويّة لا تعرف لغموضها
قال ابن الرومي:
غموض الحق حين تذبّ عنه # يقلّل ناصر الحقّ المحقّ
يضلّ عن الدقيق عقول قوم # فتحكم للمجلّ على المدقّ
و قيل ما دقّ من الكلام يعجز عنه كثير من الأنام، فينسب إلى الإحالة و إن كان في غاية الجلالة، و لذلك قال أبو تمّام:
فصرت أذلّ من معنى دقيق # به فقر إلى فهم جليل [4]
[1] حسّان: أي حسّان بن ثابت شاعر النبي، و هو من مخضرمي الجاهلية و الإسلام (انظر سيرته في مقدّمة ديوانه منشورات دار الأرقم) .
[2] المنطق اللخي: الأعوج-يزكو: ينمو. مماقلة: و في رواية مقادمة.
[3] فصل الحكم: قطع به-عيّ الأولون به: عجزوا عنه-الساهي: الغافل.
[4] به فقر: أي يفتقر إلى...