نام کتاب : حياة الحيوان الكبري نویسنده : الدميري جلد : 2 صفحه : 501
الاستعلاء، الثاني: أنه يراد به قطع الوادي و بلوغ آخره من قولهم: أتى على الشيء إذا بلغ آخره، فتكلمت النملة بذلك، و هذا غير مستبعد، فإن حصول العلم و النطق لها ممكن في نفسه، و اللّه سبحانه قادر على كل الممكنات.
و حكي عن قتادة أنه دخل الكوفة، فاجتمع عليه الناس، فقال: سلوا عما شئتم، و كان أبو حنيفة حاضرا، و هو يومئذ غلام حدث، فقال: سلوه عن نملة سليمان أ كانت ذكرا أم أنثى؟ فسألوه فأفحم، فقال أبو حنيفة: كانت أنثى. فقيل له: كيف عرفت ذلك؟فقال: من قوله تعالى: قََالَتْ و لو كانت ذكرا لقال قال نملة، لأن النملة مثل الحمامة و الشاة، في وقوعها على الذكر و الأنثى، قال: و رأيت في بعض الكتب أن تلك النملة، إنما أمرت رعيتها بالدخول في مساكنها، لئلا ترى النعم التي أوتيها سليمان و جنوده، فتقع في كفران نعمة اللّه عليه. و في هذا تنبيه على أن مجالسة أرباب الدنيا محظورة.
يروى أن سليمان قال لها: لم قلت للنمل ادخلوا مساكنكم أخفت عليها مني ظلما؟قالت:
لا و لكني خشيت أن يفتنوا بما يرون من جمالك و زينتك فيشغلهم ذلك عن طاعة اللّه.
قال الثعلبي و غيره: إنها كانت مثل الذئب في العظم، و كانت عرجاء ذات جناحين. و ذكر عن مقاتل أن سليمان عليه السلام سمع كلامها من ثلاثة أميال.
و قال بعض أهل التذكير: إنها تكلمت بعشرة أنواع من البديع، قولها: يََا[1] نادت أَيُّهَا[2] نبهت اَلنَّمْلِ[3] سمت اُدْخُلُوا[4] أمرت مَسََاكِنَكُمْ[5] نعتت لاََ يَحْطِمَنَّكُمْ[6] حذرت سُلَيْمََانُ[7] خصت وَ جُنُودُهُ[8] عمت وَ هُمْ[9] أشارت لاََ يَشْعُرُونَ[10] اعتذرت. و المشهور أنه النمل الصغار. و اختلف في اسمها فقيل: كان اسمها طاخية، و قيل كان اسمها حزمى. قيل: كان نمل الوادي كالذئاب، و قيل: كالبخاتي.
قال السهيلي، في التعريف و الاعلام: و لا أدري كيف يتصور للنملة اسم علم، و النمل لا يسمي بعضه بعضا!و لا الآدمي يمكنه تسمية واحدة منها باسم علم، لأنه لا يتميز للآدميين بعضه من بعض، و لا هم أيضا واقعون تحت ملك بني آدم، كالخيل و الكلاب و نحوهما، لأن العلمية فيما كان كذلك موجودة عند العرب.
فإن قلت: إن العلمية موجودة في الأجناس كثعالة و أسامة و جعار في الضبع و نحو هذا كثير، فالجواب أن هذا ليس من أمر النمل، لأنهم زعموا أنه اسم علم لنملة واحدة معينة من بين سائر النمل. و ثعالة و نحوه مختص بواحد من الجنس، بل كل واحد رأيته من ذلك الجنس فهو ثعالة، و كذلك أسامة و ابن آوى و ابن عرس و ما أشبه ذلك. فإن صح ما قالوا، و له وجه فهو أن تكون هذه النملة الناطقة، قد سميت بهذا الاسم في التوراة، أو في الزبور، أو في بعض الصحف، أو سماها اللّه تعالى بهذا الاسم، و عرفها به جميع الأنبياء قبل سليمان أو بعده، و خصت بالتسمية لنطقها و إيمانها، و معنى قولنا: و إيمانها أنها قالت للنمل: وَ هُمْ لاََ يَشْعُرُونَ ، و هو التفاتة مؤمن أي أن سليمان عليه السلام من عدله و فضله، و فضل جنوده، لا يحطمون نملة فما فوقها، إلا و هم لا يشعرون.