نام کتاب : حياة الحيوان الكبري نویسنده : الدميري جلد : 2 صفحه : 283
و ها هن فيه معي. فقال صلى اللّه عليه و سلم: «ضعهن عنك» . فوضعتهن و أبت أمهن إلا لزومهن، فقال النبي صلى اللّه عليه و سلم لأصحابه: «أ تعجبون لرحمة أم الفراخ فراخها» ؟قالوا: نعم يا رسول اللّه. قال صلى اللّه عليه و سلم:
«فو الذي بعثني بالحق نبيا للّه أرحم بعباده من أم هؤلاء الأفراخ بفراخها، ارجع بهن حتى تضعهن من حيث أخذتهن» . فرجع بهن و أمهن ترفرف عليهن.
و روى مسلم عن أبي هريرة رضي اللّه تعالى عنه أن النبي صلى اللّه عليه و سلم قال [1] : «إن للّه مائة رحمة قسم منها رحمة في دار الدنيا فبها يعطف الرجل على ولده، و الطير على فراخه، فإذا كان يوم القيامة صيرها مائة رحمة فعاد بها على الخلق» . قال أبو أيوب السجستاني: إن رحمة اللّه قسمها في دار الدنيا و أصابني منها الإسلام، و إني لأرجو من تسع و تسعين رحمة، ما هو أكثر من ذلك.
و روى [2] مسلم أيضا و النسائي و الترمذي، عن ثابت عن أنس رضي اللّه تعالى عنه، أن النبي صلى اللّه عليه و سلم عاد رجلا من المسلمين قد خفت، و في رواية الترمذي: قد جهد فصار مثل الفرخ، فقال له النبي صلى اللّه عليه و سلم: «هل كنت تدعو اللّه بشيء أو تسأله إياه» ؟قال: نعم. كنت أقول: اللهم ما كنت معاقبي به في الآخرة فعجله لي في الدنيا. فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «سبحان اللّه لا تطيقه و لا تستطيعه، أ فلا قلت: اللهم آتنا في الدنيا حسنة و في الآخرة حسنة و قنا عذاب النار» . قال: فدعا اللّه به فشفاه.
و معنى قوله: مثل الفرخ أنه ضعف و نحل جسمه، و خفي كلامه. و تشبيهه له بالفرخ يدل على أنه تناثر أكثر شعره، و يحتمل أن يكون شبهه به لضعفه، و الأول أوقع في التشبيه. و معلوم أن مثل هذا المرض لا يبقى معه شعر و لا قوة. و في هذا الحديث النهي عن الدعاء بتعجيل العقوبة، و فيه فضل الدعاء باللهم آتنا في الدنيا حسنة و في الآخرة حسنة و قنا عذاب النار، و فيه جواز التعجب بقول: سبحان اللّه، و قوله صلى اللّه عليه و سلم: «إنك لا تطيقه» ، يعني أن عذاب الآخرة لا يطيقه أحد في الدنيا لأن نشأة الدنيا ضعيفة لا تحتمل العذاب الشديد، و الألم العظيم، بل إذا عظم على الإنسان هلك و مات. و أما نشأة الآخرة، فهي للبقاء إما في النعيم أو العذاب، إذ لا موت، كما قال اللّه تعالى: في حق الكفار كُلَّمََا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنََاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهََا لِيَذُوقُوا اَلْعَذََابَ[3]
نسأل اللّه العافية في الدنيا و الآخرة، ثم إن النبي صلى اللّه عليه و سلم أرشده إلى أحسن ما يقال لأنها من الدعوات الجوامع التي تتضمن خير الدنيا و الآخرة، و ذلك أن النكرة في سياق الطلب عامة، فكأنه يقول:
اعطني كل حالة حسنة في الدنيا و الآخرة.
و قد اختلفت أقوال المفسرين في الآية اختلافا يدل على عدم التوفيق، و على قلة التأمل لوضع الكلمة، فقيل: الحسنة في الدنيا العلم و العبادة، و في الآخرة الجنة و المغفرة، و قيل:
العافية، و قيل: المال و حسن المآل، و قيل: المرأة الصالحة و الحور العين.
و الصحيح الحمل على العموم، قال النووي: و أظهر الأقوال في تفسير الحسنة أنها في الدنيا