نام کتاب : حياة الحيوان الكبري نویسنده : الدميري جلد : 2 صفحه : 248
الذي هو ملاك البدن، و ينام كل واحد منها قائما على إحدى رجليه، حتى لا يكون نومه ثقيلا، و أما قائدها و حارسها فلا ينام، و لا يدخل رأسه في جناحه و لا يزال ينظر في جميع الجوانب، فإذا أحسن بأحد صاح بأعلى صوته.
ثم حكى عن يعقوب بن اسحاق السراج أنه قال: رأيت رجلا من أهل رومية قال: ركبت بحر الزنج فألقتني الريح إلى بعض الجزائر، فوصلت منها إلى مدينة أهلها أناس قامتهم قدر ذراع، و أكثرهم عور، فاجتمع عليّ منهم جمع فأخذوني و انتهوا بي إلى ملكهم، فأمر بحبسي، فحبست في شبه قفص، ثم رأيتهم في بعض الأيام يستعدون للقتال، فسألتهم فقالوا: لنا عدو يأتينا في مثل هذه الأيام، فلم نلبث إلا و قد طلعت عليهم عصابة من الغرانيق، و كان عورهم من نقرها أعينهم، فأخذت عصا و شددت عليها فطارت و هربت فأكرموني لذلك.
فائدة
: قال القاضي عياض و غيره: إن النبي صلى اللّه عليه و سلم لما قرأ سورة و النجم و قال [1] : أَ فَرَأَيْتُمُ اَللاََّتَ وَ اَلْعُزََّى، `وَ مَنََاةَ اَلثََّالِثَةَ اَلْأُخْرىََ قال: (تلك الغرانيق العلا و إن شفاعتهن لترتجى) فلما ختم السورة سجد، و سجد من معه من المسلمين و الكفار لما سمعوه أثنى على آلهتهم. ثم أنزل اللّه تعالى عليه: وَ مََا أَرْسَلْنََا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَ لاََ نَبِيٍّ إِلاََّ إِذََا تَمَنََّى أَلْقَى اَلشَّيْطََانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ الآية [2] . و أجابوا عنه بضعف الحديث، فإنه لم يخرج أحد من أهل الصحيح و لا رواه ثقة بإسناد صحيح سليم متصل، و إنما أولع به و بمثله المفسرون و المؤرخون المولعون بكل غريب، المتلقفون لكل صحيح و سقيم.
و الذي منه في الصحيح أن النبي صلى اللّه عليه و سلم قرأ و النجم و هو بمكة فسجد و سجد معه المسلمون و المشركون و الجن و الإنس هذا توهيمه من جهة النقل، و أما من جهة المعنى فقد قامت الحجة، و أجمعت الأمة، على عصمته صلى اللّه عليه و سلم و نزاهته عن مثل هذا، و لم يجعل اللّه تعالى للشيطان عليه، و لا على أحد من الأنبياء سبيلا. و على تقدير صحة ما رووه، و قد أعاذنا اللّه من صحته، فالراجح في تأويله عند المحققين أنه عليه الصلاة و السلام كان كما أمره اللّه تعالى يرتل القرآن ترتيلا، و يفصل الآيات تفصيلا في قراءته، فمن ثم ترصد الشيطان لتلك السكتات، و دس كلاما في تلك الكلمات محاكيا نغمة رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بحيث يسمعه من دنا إليه من الكفار، فظنوها من قوله صلى اللّه عليه و سلم، و لم يقدح ذلك عند المسلمين.
بل روى محمد بن عقبة أن المسلمين لم يسمعوها و إنما ألقاها الشيطان في أسماع الكفار و عقولهم. و أيضا فمجاهد و الكلبي فسر الغرانيق العلا بأنها الملائكة، و ذلك أن الكفار كانوا يعتقدون أن الملائكة بنات اللّه تعالى. كما حكاه جل و علا عنهم و رده عليهم في السورة بقوله تعالى: أَ لَكُمُ اَلذَّكَرُ وَ لَهُ اَلْأُنْثىََ[3] فأنكر اللّه تعالى كل ذلك من قولهم. و رجاء الشفاعة من الملائكة صحيح. فلما تأوله المشركون على أن المراد به ذكر آلهتهم، و لبس عليهم الشيطان ذلك و زينه في قلوبهم، و ألقاه إليهم، نسخ اللّه تعالى ما ألقى الشيطان، و أحكم آياته، و رفع تلاوة ما