نام کتاب : حياة الحيوان الكبري نویسنده : الدميري جلد : 2 صفحه : 103
يشقى رجال و يشقى آخرون بهم # و يسعد اللّه أقواما بأقوام
و ليس رزق الفتى من فضل حيلته # لكن حدود بأرزاق و أقسام
كالصيد يحرمه الرامي المجيد و قد # يرمي فيحرزه من ليس بالرامي
فائدة
: في تاريخ ابن خلكان، لما قلد الرشيد الفضل بن يحيى خراسان، أقام بها مدة ثم وصل كتاب صاحب البريد ينهى، أن الفضل اشتغل بالصيد و إدمان اللذة، عن النظر في أمور الرعية فقال ليحيى: يا أبت اقرأ هذا الكتاب، و اكتب إليه بما يردعه عنه، فكتب إليه يحيى كتابا [1] و كتب في أسفله هذه الأبيات:
انصب نهارا في طلاب العلا # و اصبر على فقد لقاء الحبيب
حتى إذا الليل أتى مقبلا # و اكتحلت بالغمض عين الرقيب
فبادر الليل بما تشتهي # فإنما الليل نهار الأريب
كم من فتى تحسبه ناسكا # يستقبل الليل بأمر عجيب
غطى عليه الليل أستاره # فبات في لهو و عيش خصيب
و لذة الأحمق مكشوفة # يسعى بها كلّ عدو مريب
فلما ورد الكتاب على الفضل بن يحيى، لم يفارق المسجد نهارا.
قيل دخل الفضل على أبيه يحيى و هو يتبختر في مشيته، فكره يحيى ذلك منه، و قال: قالت الحكماء: البخل و الجهل مع التواضع، أزين للرجل من السخاء و العلم مع الكبر، فيا لها من حسنة غطت على سيئتين عظيمتين، و يا لها من سيئة غطت على حسنتين كبيرتين! و لما كان الفضل و يحيى في محبسهما، سمعهما الموكل يوما و هما يضحكان ضحكا مفرطا، فأعلم الرشيد بذلك فبعث مسرورا يستعلم سبب ذلك، فجاءهما فسألهما و قال: يقول لكما أمير المؤمنين: ما هذا الاستخفاف بغضبي؟فازدادا ضحكا!و قال يحيى: اشتهينا سكباجا فاحتلنا في شراء القدر و اللحم و الخل و غير ذلك، فلما فرغنا من طبخها و إحكامها، ذهب الفضل ينزلها فسقط قعر القدر، فوقع الضحك و التعجب مما كنا فيه، و ما صرنا إليه. فلما أعلم مسرور الرشيد بذلك، بكى و أمر لهما بمائدة في كل يوم، و أذن لرجل مما يأنسان به، أن يدخل عليهما كل يوم، و يتغذى معهما و يحدثهما و ينصرف.
و نقل [2] أن الفضل كان كثير البر بأبيه، و كان أبوه يتأذى من استعمال الماء البارد، في زمن الشتاء، فلما كان في السجن، لم يقدرا على تسخين الماء، فكان الفضل يأخذ الابريق النحاس، و فيه الماء، فيضعه على بطنه زمانا لينكسر برده، بحرارة بطنه، حتى يستعمله أبوه بعد ذلك. و توفي يحيى في السجن سنة ثلاث و تسعين و مائة. و لما بلغ الرشيد وفاته، قال: أمري قريب من أمره، فتوفي بعده بخمسة أشهر.
[1] وفيات الأعيان 4/27، و فيه الخبر و الأبيات التالية.