و لم يقل أحد في وصف الجبن و الفرار مثل قول الطرمّاح في بني تميم:
تميم بطرق اللؤم أهدى من القطا # و لو سلكت سبل المكارم ضلّت
و لو أنّ برغوثا على ظهر قملة # رأته تميم يوم زحف لولّت
و لو جمعت يوما تميم جموعها # على ذرّة معقولة لا لاشمعلّت [1]
و ليس يعاب الشجاع و البهمة البطل بالفرّة الواحدة تكون منه خاصة لا عامة؛ كما قال زفر بن الحارث و فرّ يوم مرج راهط عن أبيه و أخيه فقال:
أ يذهب يوم واحد إن أسأته # بصالح أيّامي و حسن بلائيا [2]
و لم تر مني زلّة قبل هذه # فراري و تركي صاحبيّ ورائيا
و فرّ عمرو بن معديكرب من عباس بن مرداس و أسر أخته ريحانة: و فيها يقول عمرو:
أ من ريحانة الدّاعي السّميع # يؤرّقني و أصحابي هجوع
و فرّ عن بني عبس و فيهم زهير بن جذيمة العبسي و ولده شأس بن زهير و قيس بن زهير!فقال فيهم:
أ جاعلة أمّ الثوير خزاية # عليّ فراري إذ لقيت بني عبس [3]
لقيت أبا شأس و شأسا و مالكا # و قيسا فجاشت من لقائهم نفسي [4]
لقونا فضمّوا جانبينا بصادق # من الطعن مثل النار في الحطب اليبس
و لما دخلنا تحت فيء رماحهم # خبطت بكفّي أطلب الأرض باللّمس [5]
و ليس يعاب المرء من جبن يومه # إذا عرفت منه الشجاعة بالأمس
و قال أيضا:
[1] اشمعلّت: تفرّقت.
[2] حسن البلاء: حسن الفعل و الإقدام.
[3] أمّ الثوير: هي امرأة عمر بن معد يكرب.
[4] جاشت: اضطربت.
[5] خبطت: ضربت.