responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : البيان و التبيين نویسنده : الجاحظ    جلد : 3  صفحه : 264

و الدليل الواضح، و الشاهد القاطع، قول النبي صلّى اللّه عليه و سلّم: «نصرت بالصبا، و أعطيت جوامع الكلم» ، و هو القليل الجامع للكثير. و قال اللّه تعالى و قوله الحق: وَ مََا عَلَّمْنََاهُ اَلشِّعْرَ ثم قال: وَ مََا يَنْبَغِي لَهُ ثم قال: أَ لَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وََادٍ يَهِيمُونَ. `وَ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ مََا لاََ يَفْعَلُونَ فعم و لم يخص، و أطلق و لم يقيد. فمن الخصال التي ذمهم بها تكلف الصنعة، و الخروج إلى المباهاة، و التشاغل عن كثير من الطاعة، و مناسبة أصحاب التشديق. و من كان كذلك كان أشد افتقارا إلى السامع من السامع إليه، لشغفه أن يذكر في البلغاء، و صبابته باللحاق بالشعراء. و من كان كذلك غلبت عليه المنافسة و المغالبة، و ولد ذلك في قلبه شدة الحمية، و حب المجاذبة.

و من سخف هذا السّخف، و غلب الشيطان عليه هذه الغلبة، كانت حاله داعية إلى قول الزور، و الفخر بالكذب، و صرف الرغبة إلى الناس، و الإفراط في مديح من أعطاه، و ذم من منعه. فنزّه اللّه رسوله، و لم يعلمه الكتاب و الحساب، و لم يرغبه في صنعة الكلام، و التعبد لطلب الألفاظ، و التكلف لاستخراج المعاني فجمع له باله كله في الدعاء إلى اللّه، و الصبر عليه، و المجاهدة فيه، و الانبتات إليه و الميل إلى كل ما قرب منه، فأعطاه الإخلاص الذي لا يشوبه رياء، و اليقين الذي لا يطوره شك، و العزم المتمكن، و القوة الفاصلة.

فإذا رأت مكانه الشعراء، و فهمته الخطباء، و من قد تعبّد للمعاني، و تعود نظمها و تنضيدها، و تأليفها و تنسيقها، و استخراجها من مدافنها، و إثارتها من مكامنها علموا أنهم لا يبلغون بجميع ما معهم مما قد استفرغهم و استغرق مجهودهم، و بكثير ما قد خولوه، قليلا مما يكون معه على البداهة و الفجاءة، من غير تقدم في طلبه، و اختلاف إلى أهله.

و كانوا مع تلك المقامات و السياسات، و مع تلك الكلف و الرياضات، لا ينفكون في بعض تلك المقامات من بعض الاستكراه و الزلل، و من بعض التعقيد و الخطل، و من التفنن‌ [1] و الانتشار، و من التشديق و الإكثار.


[1] التفنن: الاضطراب.

نام کتاب : البيان و التبيين نویسنده : الجاحظ    جلد : 3  صفحه : 264
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست