نام کتاب : البيان و التبيين نویسنده : الجاحظ جلد : 3 صفحه : 265
و رأوه مع ذلك يقول: «إيّاي و التشادق» . و «أبغضكم إليّ الثرثارون المتفيهقون» . ثم رأوه في جميع دهره في غاية التسديد و الصواب التام، و العصمة الفاضلة، و التأييد الكريم. علموا أن ذلك من ثمرة الحكمة و نتاج التوفيق، و إن تلك الحكمة من ثمرة التقوى. و نتاج الإخلاص.
و للسلف الطيّب حكم و خطب كثيرة، صحيحة و مدخولة، لا يخفى شأنها على نقّاد الألفاظ و جهابذة المعاني، متميزة عند الرواة الخلّص و ما بلغنا عن أحد من جميع الناس أن أحدا ولد لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم خطبة واحدة.
فهذا و ما قبله حجة في تأويل ذلك إن كان حقا.
و في كتاب اللّه المنزل. أن اللّه تبارك و تعالى جعل منيحة داود الحكمة و فصل الخطاب، كما أعطاه إلانة الحديد.
و في الحديث المأثور، و الخبر المشهور، إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم قال:
«شعيب خطيب الأنبياء» .
و علم اللّه سليمان منطق الطير، و كلام النمل، و لغات الجن. فلم يكن عزّ و جلّ ليعطيه ذلك ثم يبتليه في نفسه و بيانه عن جميع شأنه، بالقلة و المعجزة، ثم لا تكون تلك القلة إلا على الإيثار منه للقلة في موضعها، و على البعد من استعمال التكلف، و مناسبة أهل الصنعة، و المشغوفين بالسمعة. و هذا لا يجوز على اللّه عز و جل.
فإن كان الذي رويتم من قوله: «إنا معشر الأنبياء بكاء» على ما تأولتم، و ذلك أن لفظ الحديث عام في جميع الأنبياء، فالذي ذكرنا من حال داود و سليمان عليهما السلام، و حال شعيب و النبي صلّى اللّه عليه و سلّم، دليل على بطلان تأويلكم، و رد عموم لفظ الحديث:
و هذه جملة كافية لمن كان يريد الإنصاف.
نام کتاب : البيان و التبيين نویسنده : الجاحظ جلد : 3 صفحه : 265