نام کتاب : البيان و التبيين نویسنده : الجاحظ جلد : 3 صفحه : 263
و لم يكن اللّه ليعطي موسى لتمام إبلاغه شيئا لا يعطيه محمدا، و الذين بعث فيهم أكثر ما يعتمدون عليه البيان و اللسن.
و إنما قلنا هذا لنحسم جميع وجوه الشغب، لا لأن أحدا من أعدائه شاهد هناك طرفا من العجز!و لو كان ذلك مرئيا و مسموعا لاحتجوا به في الملا، و لتناجوا به في الخلا، و لتكلم به خطيبهم، و لقال فيه شاعرهم، فقد عرف الناس كثرة خطبائهم، و تسرع شعرائهم.
هذا على أننا لا ندري أ قال ذلك رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم أم لم يقله، لأن مثل هذه الأخبار يحتاج فيها إلى الخبر المكشوف، و الحديث المعروف. و لكنا بفضل الثقة، و ظهور الحجة، نجيب بمثل هذا و شبهه.
و قد علمنا أن من يقرض الشعر، و يتكلف الإسجاع، و يؤلف المزدوج، و يتقدم في تحبير المنثور، و قد تعمق في المعاني، و تكلف إقامة الوزن، و الذي تجود به الطبيعة و تعطيه النفس سهوا رهوا، مع قلة لفظه و عدد هجائه- أحمد أمرا، و أحسن موقعا من القلوب، و أنفع للمستمعين، من كثير خرج بالكد و العلاج. و لأن التقدم فيه، و جمع النفس له، و حصر الفكر عليه، لا يكون إلا ممن يحب السمعة و يهوى النفج [1] و الاستطالة. و ليس بين حال المتنافسين، و بين حال المتحاسدين إلا حجاب رقيق، و حجاز ضعيف. و الأنبياء بمندوحة من هذه الصفة، و في ضد هذه الشيمة.
و قال عامر بن عبد قيس: «الكلمة إذا خرجت من القلب وقعت في القلب، و إذا خرجت من اللسان لم تجاوز الآذان» .
و تكلم رجل عند الحسن بمواعظ جمة و معان تدعو إلى الرقة فلم ير الحسن رق، فقال الحسن: إما أن يكون بناشر أو يكون بك!يذهب إلى أن المستمع يرق على قد رقة القائل.