responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : البيان و التبيين نویسنده : الجاحظ    جلد : 3  صفحه : 20

و جملة القول أنا لا نعرف الخطب إلا للعرب و الفرس. فأما الهند فإنما لهم معان مدونة، و كتب مخلدة، لا تضاف إلى رجل معروف، و لا إلى عالم موصوف، و إنما هي كتب متوارثة، و آداب على وجه الدهر سائرة مذكورة.

و لليونانيين فلسفة و صناعة منطق، و كان صاحب المنطق نفسه بكيّ اللسان، غير موصوف بالبيان، مع علمه بتمييز الكلام و تفصيله و معانيه، و بخصائصه. و هم يزعمون أن جالينوس كان أنطق الناس، و لم يذكروه بالخطابة، و لا بهذا الجنس من البلاغة، و في الفرس خطباء، إلا أن كل كلام للفرس، و كل معنى للعجم، فإنما هو عن طول فكرة و عن اجتهاد رأي، و طول خلوة، و عن مشاورة و معاونة، و عن طول التفكر و دراسة الكتب، و حكاية الثاني علم الأول، و زيادة الثالث في علم الثاني، حتى اجتمعت ثمار تلك الفكر عند آخرهم. و كلّ شي‌ء للعرب فإنما هو بديهة و ارتجال، و كأنه إلهام، و ليست هناك معاناة و لا مكابدة، و لا إجالة فكر و لا استعانة، و إنما هو أن يصرف وهمه إلى الكلام، و إلى رجز بوم الخصام، أو حين يمتح على رأس بئر، أو يحدو ببعير، أو عند المقارعة أو المناقلة، أو عند صراع أو في حرب، فما هو إلا أن يصرف وهمه إلى جملة المذهب، و إلى العمود الذي إليه يقصد، فتأتيه المعاني إرسالا [1] ، و تنثال الألفاظ انثيالا، ثم لا يقيّده على نفسه، و لا يدرسه أحدا من ولده. و كانوا أميين لا يكتبون، و مطبوعين لا يتكلفون، و كان الكلام الجيد عندهم أظهر و أكثر، و هم عليه أقدر، و له أقهر، و كل واحد في نفسه أنطق، و مكانه من البيان أرفع، و خطباؤهم للكلام أوجد، و الكلام عليهم أسهل، و هو عليهم أيسر من أن يفتقروا إلى تحفظ، و يحتاجوا إلى تدارس، و ليس هم كمن حفظ علم غيره، و احتذى على كلام من كان قبله، فلم يحفظوا إلا ما علق بقلوبهم، و التحم بصدورهم، و اتصل بعقولهم، من غير تكلّف و لا قصد، و لا تحفظ و لا طلب. و إن شيئا هذا الذي في أيدينا جزء منه لبالمقدار الذي لا يعلمه إلا من أحاط بقطر السحاب و عدد التراب، و هو اللّه الذي يحيط بما كان، و العالم بما سيكون.


[1] ارسالا: أفواجا.

نام کتاب : البيان و التبيين نویسنده : الجاحظ    جلد : 3  صفحه : 20
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست