نام کتاب : البيان و التبيين نویسنده : الجاحظ جلد : 3 صفحه : 21
و نحن-أبقاك اللّه-إذا دعينا للعرب أصناف البلاغة من القصيد و الإرجاز، و من المنثور و الإسجاع، و من المزدوج و ما لا يزدوج، فمعنا العلم أن ذلك لهم شاهد صادق من الديباجة الكريمة، و الرونق العجيب، و السبك و النحت، الذي لا يستطيع أشعر الناس اليوم، و لا أرفعهم في البيان أن يقول مثل ذلك إلا في اليسير، و النبذ القليل.
و نحن لا نستطيع أن نعلم أن الرسائل التي بأيدي الناس للفرس، أنها صحيحة غير مصنوعة، و قديمة غير مولّدة، إذ كان مثل ابن المقفع و سهل بن هارون، و ابي عبيد اللّه، و عبد الحميد و غيلان، يستطيعون أن يولدوا مثل تلك الرسائل، و يصنعوا مثل تلك السير.
و أخرى: أنك متى أخذت بيد الشعوبي فأدخلته بلاد الأعراب الخلّص، و معدن الفصاحة التامة، و وقفته على شعر مفلق، أو خطيب مصقع، علم أن الذي قلت هو الحق، و أبصر الشاهد عيانا. فهذا فرق ما بيننا و بينهم.
فتفهّم عني، فهمك اللّه، ما أنا قائل في هذا، ثم اعلم أنك لم تر قوما قط أشقى من هؤلاء الشعوبية و لا أعدى على دينه، و لا أشد استهلاكا لعرضه، و لا أطول نصبا، و لا أقل غنما من أهل هذه النحلة. و قد شفى الصدور منهم طول جثوم الحسد على أكبادهم، و توقد نار الشنآن في قلوبهم، و غليان تلك المراجل الفائرة، و تسعّر تلك النيران المضطرمة. و لو عرفوا أخلاق أهل كل ملة، و زيّ اهل كل لغة و عللهم، على اختلاف شاراتهم [1] و آلاتهم، و شمائلهم و هيئاتهم، و ما علة كل شيء من ذلك، و لم اجتلبوه و لم تكلفوه، لأراحوا أنفسهم، و لخفت مئونتهم على من خالطهم.
[عصا سليمان و عصا موسى]
و الدليل على أن أخذ العصا مأخوذ من أصل كريم، و معدن شريف، و من المواضع التي لا يعيبها إلا جاهل، و لا يعترض عليها إلا معاند، اتخاذ