نام کتاب : البخلاء نویسنده : الجاحظ جلد : 1 صفحه : 33
و قلت لكم، عند إشفاقي عليكم: «إنّ للغنى سكرا، و ان للمال نزوة، فمن لم يحفظ الغنى من سكر الغنى، فقد أضاعه؛ و من لم يرتبط المال بخوف الفقر، فقد أهمله» .
فعبتموني بذلك؛ و قال زيد بن جبلة [1] : «ليس أحد أفقر من غنّي أمن الفقر، و سكر الغنى أشدّ من سكر الخمر» .
و قلتم: «قد لزم الحثّ على الحقوق، و التزهيد في الفضول، حتى صار يستعمل ذلك في أشعاره، بعد رسائله، و في خطبه، بعد سائر كلامه؛ فمن ذلك قوله في يحيى بن خالد:
عدوّ تلاد المال فيما ينوبه # منوع إذا ما منعه كان أحزما!
و من ذلك قوله في محمد بن زياد:
و خليقتان: تقى و فضل تحرّم # و إهانة، في حقه، للمال!
وعبتموني حين زعمت أنّي أقدم المال على العلم؛ لأن المال به يغاث العالم، و به تقوم النفوس، قبل أن تعرف فضيلة العلم. و أن الأصل أحق بالتفضيل من الفرع، و أني قلت: «و إن كنا نستبين الأمور بالنفوس، فإنا بالكفاية نستبين، و بالخلّة [2] نعمى» . و قلتم: «و كيف تقول هذا، و قد قيل لرئيس الحكماء و مقدّم الأدباء: العلماء أفضل أم الأغنياء؟قال: بل العلماء قيل: فما بال العلماء يأتون أبواب الأغنياء، أكثر مما يأتي الأغنياء أبواب العلماء؟قال: لمعرفة العلماء بفضل الغنى، و لجهل الأغنياء بفضل العلم» . فقلت: حالهما هي الفاصلة بينهما؛ و كيف يستوي شيء ترى حاجة الجميع إليه، و شيء يغني بعضهم فيه عن بعض» ؟.
وعبتموني حين قلت: «إن فضل الغني على القوت، إنما هو كفضل الآلة
[1] زيد بن جبلة: أحد الزعماء الذين اشتهروا بالفصاحة في عهد الخلفاء الراشدين.