responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : وفاء الوفاء بأخبار دار المصطفى نویسنده : المنقري، نصر بن مزاحم    جلد : 2  صفحه : 178

فوجدوا النار في ثمانية مواضع، فأطفؤوا ذلك، ثم رأوا أن مادة هذه النار لا تنقطع إلا بتنظيف الردم، فاجتمعت الآراء على ذلك بعد توقّف تام من نائب الناظر، و عيّنوا لتعاطيه من يثقون به من الخدام و الفقهاء و الفقراء، و كان الصواب المبادرة لذلك أولا، و لكن على كل خير مانع، و لا يدري أحد أسرار ما اللّه في عباده صانع، و لما نظفوا ذلك وجدوا حلية الصندوق المجعول في جهة الرأس الشريف و جانبا من الكسوة و بعض البسط سالما لسقوط الردم عليه، و وجدوا القناديل التي كان التخوّف في تنظيف ذلك المحل لأجلها، و أداروا على الحجرة الشريفة جدارا من الآجر في موضع المقصورة المحترقة، و جعلوا فيها شبابيك و طاقات و أبوابا، و قام بمصروف ذلك بعض النساء المباركات و غيرها، و سامح البناءون بنصف أجرهم مع توفر المصروف بحاصل المسجد الشريف، و أحضرت تلك المرأة أيضا و غيرها كسوة للحجرة الشريفة من القماش الأبيض فجعلت عليها.

و في ذلك كله عبرة تامة و موعظة عامة لأولي الأبصار، و هو منذر بأمر عظيم، و لهذا اختص به هذا المحل المنسوب إلى النذير (صلّى اللّه عليه و سلم)، و قد ثبت أن أعمال الأمة تعرض عليه (صلّى اللّه عليه و سلم)، فلما ساءت منا الأعمال المعروضة ناسب ذلك الإنذار بإظهار عنوان النار المجازي بها في موضع عرضها، و لم أزل في وجل مما يعقب ذلك حيث لم يحصل الاتعاظ و الانزجار، و قد قال تعالى: وَ ما نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلَّا تَخْوِيفاً [الإسراء: 59]، و قال تعالى: ذلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبادَهُ يا عِبادِ فَاتَّقُونِ‌ [الزمر: 16] و كأن لسان القدرة ينادي: أ لا تتعظون بما ترون و تسمعون؟ أ لا تنتهون و تنزجرون؟ أ لا ترون إلى هذا المحل الشريف مع عظيم نسبته و علو رتبته و مكانته لما تلوّث بآثاركم معشر المذنبين، و تدنّس بأقذاركم كافة الغافلين، أرسلت عليه بحرا من النار السماوية تطهره من تلك الآثار، و تزجركم عن التمادي على الإصرار، و موالاة اتباع الأوزار، و تشهد بصائركم عموم القدرة، فترسلون من الأبصار سوابق العبرة، تأسفا على ما اجترحتموه قبل هذه العبرة، فمن لم ينته بهذا الزاجر الفعلي عن إصراره، و لم يقتبس من هذه النار العظيمة قبسا يهتدي بأنواره، فلينظر فيما حدث عقيب حريق المسجد القديم، و يتفكر في ضعفه عن احتمال العذاب الأليم، حمانا اللّه من ذلك، و سلك بنا أجمعين أحسن المسالك.

و من العجائب أنه لم يتأتّ إخراج ردم هذا الحريق بعد نقله لمؤخر المسجد حتى حضر الحجّاج من سائر الآفاق للزيارة، و شاهدوا هذه العبرة العظيمة، و رأوا ما اجتمع من الردم كالآكام و التلول الجسيمة، ثم قبيل دخول الحاج مكة بالقعدة الحرام من العام الثاني أرسل الله سيلا عظيما بمكة المشرفة ملأ ما بين الجبلين و علا جدار أبواب المعلى، و دخل جوف الكعبة الشريفة، و ارتفع فيها أزيد من قامة و هدم دورا كثيرة يقال إنها تزيد على ألفي دار،

نام کتاب : وفاء الوفاء بأخبار دار المصطفى نویسنده : المنقري، نصر بن مزاحم    جلد : 2  صفحه : 178
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست