responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : المنتظم في تاريخ الأمم و الملوك نویسنده : ابن الجوزي    جلد : 8  صفحه : 50

وجدك قد نهيت عن ذلك، و وقفت للناس رجلا ينظر في مظالمهم، فإن جاء ذلك الرجل يبلغ بطانتك سألوا صاحب المظالم أن لا يرفع مظلمته إليك، فإن صرخ بين يديك ضرب ضربا مبرحا ليكون نكالا لغيره، و أنت تنظر فلا تنكر و لا تغيّر، فما بقاء الإسلام و أهله على هذا، و قد كانت بنو أميّة و كانت العرب لا ينتهي إليهم مظلوم إلا رفعت مظلمته، و لقد كان الرجل يأتي من أقصى الأرض حتى يبلغ سلطانهم فينادي: يا أهل الإسلام. فيبتدرونه: مالك مالك. فيرفعون مظلمته إلى سلطانهم فينتصف له. و قد كنت يا أمير المؤمنين أسافر إلى أرض الصين و بها ملك، فقدمتها مرة و قد ذهب سمع ملكهم، فجعل يبكى، فقال له وزراؤه: مالك تبكي لا بكت عيناك؟ فقال: أما إني لست 23/ ب أبكي على المصيبة إذ نزلت بي، و لكن المظلوم بالباب/ يصرخ فلا أسمع صوته، و قال: أما إن كان ذهب سمعي فإنّ بصري لم يذهب، نادوا في الناس أن لا يلبس ثوبا أحمر إلّا مظلوم. فكان يركب الفيل في طرفي النهار، هل يرى مظلوما فينصفه. هذا يا أمير المؤمنين مشرك باللَّه قد غلبت رأفته بالمشركين و رقته على شح نفسه في ملكه، و أنت مؤمن باللَّه عز و جل، و ابن عم نبيه ( صلّى اللَّه عليه و سلّم )، ألا تغلبك رأفتك بالمسلمين على شح نفسك!؟ فإنك لا تجمع الأموال إلا لواحد من ثلاث: إن قلت أجمعها لولدي فقد أراك اللَّه عبرا في الطفل الصغير يسقط من بطن أمه و ماله على الأرض مال، و ما من مال إلا و من دونه يد شحيحة تحويه، فلا يزال اللَّه يلطف بذلك الطفل الصغير حتى تعظم رغبة الناس إليه، و لست بالذي تعطي، بل اللَّه يعطي من يشاء ما يشاء. و إن قلت أجمع المال ليشتد سلطاني فقد أراك اللَّه عز و جل عبرا فيمن كان قبلك ما أغنى عنهم ما جمعوا من الذهب و الفضة، و ما أعدوا من السلاح و الكراع ما ضرك، و ولد أبيك ما كنت فيه من الضعف حين أراد اللَّه عز و جل بكم ما أراد، و إن قلت أجمع المال لطلب غاية هي أجسم من الغاية التي أنت فيها، فو اللَّه ما فوق ما أنت فيه إلا منزلة لا تدرك إلا بالعمل الصالح. يا أمير المؤمنين هل تعاقب من عصاك بأشد من القتل؟ قال: لا. قال: فكيف تصنع بالملك الّذي خوّلك ما أنت فيه من ملك الدنيا، و هو لا يعاقب من عصاه بالقتل، و لكن يعاقب من عصاه بالخلود في العذاب الأليم، و هو الّذي يرى منك ما عقد عليه قلبك [1]، و أضمرته جوارحك، فما تقول إذا انتزع ملك الدنيا من يدك، و دعاك إلى الحساب؟ هل يفي عنك ما كنت فيه شيئا؟


[1] في ت: «عليه قلبه» و ما أثبتناه من الأصل.

نام کتاب : المنتظم في تاريخ الأمم و الملوك نویسنده : ابن الجوزي    جلد : 8  صفحه : 50
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست