فظهر : أنّ الصغرى في الثاني وجدانية قطعية فعلية ، أمّا الصغرى في الأوّل معلّقة على تحقّق واحد من هذه الاُمور ، والمفروض عدم تحقّقها . فهذا القياس تامّ فعلي غير معلّق على شيء ، وتمامية ذاك مبنية ومعلّقة على بطلان القواعد المسلّمة .
ولا شكّ عندئذ في حكومة القياس المنظّم من المقدّمات الفعلية على المتوقّف على اُمور لم يحصل واحد منها ; بمعنى أنّ القياس الثاني دافع لصغرى القياس الأوّل .
ولعلّه إلى ذلك ينظر كلمات القوم ، وإلاّ فظاهر كلماتهم من ورود إحدى الكبريين على الاُخرى غير صحيح ; فإنّ النزاع ليس بين الكبريين ، بل صحّتهما ممّا لا إشكال فيه ، وصدقهما لا يتوقّف على وجود مصداق لصغراهما ; إذ العقاب بلا بيان قبيح ـ كان بيان في العالم أو لا ـ كما أنّ دفع الضرر المحتمل واجب ـ كان الضرر محتملاً أو لا ـ فاحتمال الضرر في بعض الموضوعات وتحقّق البيان كذلك غير مربوط بحكم الكبريين وموضوعهما ، فلا يكون إحدى الكبريين واردة أو حاكمة على الاُخرى قطّ ، بل أحد القياسين بعد تمامية مقدّماته وجداناً أو برهاناً يدفع صغرى القياس الآخر بالبيان المتقدّم .
وأمّا الثاني ; أعني ما إذا اُريد من الضرر غير العقاب الاُخروي الموعود جـزاءً للأعمال :
فإن اُريد منه اللوازم القهرية للأعمال التي يعبّر عنه بتجسّم الأعمال وتجسّد الأفعال ، بتقريب أنّها ليست من العقوبات السياسية المجعولة ; حتّى يرتفع بحكم العقل ، بل صور غيبية لأفعال الإنسان ، وقد استدلّ أصحاب هذا الرأي بعدّة آيات وأخبار ظاهرة فيما قالوه[ 1 ] ، وعليه فلابدّ من دفع هذا الاحتمال :
[1] الأربعون حديثاً ، الشيخ البهائي : 401 ـ 402 و 473، الحكمة المتعالية 9 : 175 و290 .