وأمّا ثانياً : فلأنّ المرمي في المقام هو تحصيل المؤمّن عن العقاب ; حتّى يتسنّى له الارتكاب ، وهو لا يحصل إلاّ بالتمسّك بهذه الكبرى التي مآلها إلى قبح صدور العقاب من المولى الحكيم العادل .
وأمّا مجرّد دفع الاستحقاق بمناط أنّ الارتكاب ليس بظلم فلا يكفي في ذلك ; لأنّ دفع الاستحقاق عن ناحية الظلم وحصول الطمأنينة من تلك الناحية لا يصير مؤمّناً عن عامّة الجهات ما لم ينضمّ إليه الكبرى المذكورة .
وربّما يقال : إنّ مناط حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان واقعي غير مناط حكمه بقبح العقاب حتّى من غير بيان واصل إلى المكلّف ; فإنّه لم يحصل في الأوّل تفويت لمراد المولى ، ولم تتمّ مبادئ الإرادة الآمرية ، فلا مقتضى لاستحقاق العقاب . بخلاف الثاني ; فإنّ ملاك عدم الاستحقاق فيه عدم استناد فوت المطلوب إلى العبد[ 1 ] ، انتهى .
وفيه : أنّ ما ذكر من الفرق غير فارق ، ولا يتجاوز عن بيان خصوصية الموردين . وأمّا اختلافهما في المناط فلا يستفاد منه ، بل المناط فيهما واحـد ; وهـو قبح العقاب بلا حجّة ; سواء لم يكن بيان من رأس أو كان ولم يصل إليه .
فالعقاب في كلا القسمين عقاب بلا جهة ولا حجّة ، وكلاهما من مصاديق الظلم ، والمناط في كلا القسمين واحد ، كما لا يخفى .