الرفع بقول مطلق ; بأن يجوز لهم الإعراض عن سماع قول الأنبياء وترك التعلّم والتفحّص عن أحكامه وشريعته ; حتّى يتنزّلوا منزلة البهائم والمجانين ؟ حاشا وكلاّ !
وإن أبيت عن ذلك كلّه ـ لأجل وضوح كثير من الأحكام ـ فلا مانع من جريان البراءة في الباقي : فلا أقلّ من انصراف أدلّتها عمّا قبل الفحص .
الثاني ـ وهو الموافق للتحقيق ـ أنّ المراد من عدم العلم المأخوذ موضوعاً في لسان أدلّتها ليس العلم الوجداني حتّى يكون تقديم أدلّة الأمارات والاُصول الحاكمة عليها من باب التخصيص ; لاستهجان ذلك التخصيص الكثير ، بل لايخلو عن استهجان ; ولو كان بنحو الحكومة أيضاً .
بل المراد من العلم هو الحجّة ، ومفادها : أنّه رفع عمّا لا حجّة عليه . وسيوافيك في مبحث الاستصحاب : أنّ إطلاق العلم واليقين بهذا المعنى كثير في الأخبار[ 1 ] . ومن المعلوم : أنّ الحجّة موجودة في الكتاب والسنّة ، وقد قامت الحجّة على كثير من الأحكام ، ووصلت إلينا وصولا متعارفاً ، فمع عدم الفحص يشكّ في تحقّق ما هو موضوع البراءة .
وإن أبيت : فلاحظ لسان أدّلتها ; فإنّ قوله تعالى :(وَما كُنّا مُعَذِّبِينَ حَتّى نَبْعَثَ رَسُولاً)[ 2 ] من أدلّة البراءة ، وأوضحنا مفاده[ 3 ] ، وهو كما ترى جعل بعث الرسول غايةً لرفع التعذيب .
وقـد عرفت أنّ المراد ـ ولـو بمعونة مناسبـة الحكم والموضوع ـ مـن بعثه هـو تبليغ أحكامـه وإيصال شريعته على النحو الـدائر بين العقلاء ، فيدلّ أنّـه
[1] الاستصحاب ، الإمام الخميني(قدس سره) : 81 ـ 82 و 239 و 241 ـ 242 . [2] الإسراء (17) : 15 . [3] تقدّم في الصفحة 15 .