وأمّا الأكثر : فالأمر المتعلّق به نفسي صالح للتقرّب ; إمّا لكونه بنفسه هو المأمور به ، أو كون المأمور به هو الأقلّ ، ولكنّه يقصد التقرّب بما هو واجب في الواقع ، فينطبق عليه على كلّ تقدير[ 1 ] .
وفيه : أنّ ما هو المعتبر في العبادات هو أن يكون العبد متحرّكاً بتحريك المولى ، ويكون الأمر باعثاً مع مبادئ آخر ـ كالخوف والرجاء ونحوهما ـ نحو المتعلّق ، ولا يكون الداعي في إتيانه أغراض اُخر كالريا ونحوه ، لا بأن يكون قصد الأمر والامتثال ونحوهما منظوراً إليه ، بل حقيقة الامتثال ليست إلاّ الإتيان بداعوية الأمر ، وبه يحصل التقرّب ويصير العبد ممتازاً عن غيره .
وقد عرفت[ 2 ] : أنّ المركّب عبارة عن أجزاء وشرائط في لحاظ الوحدة ، ويكون الأمر الداعي إلى المركّب داعياً إلى الأجزاء ، لابداعوية اُخرى .
فحينئذ نقول : لا شبهة في أنّ الآتي بالأقلّ القائل بالبراءة والآتي بالأكثر القائل بالاشتغال كلّ واحد منهما متحرّك بتحريك الأمر المتعلّق بالمركّب ; فقوله تعالى : (أَقِمِ الصلاةَ)[ 3 ] محرّك للآتي بالأقلّ والآتي بالأكثر ، من غير فرق بينهما من هذه الجهة .
وإنّما يفترقان في أنّ القائل بالبراءة لا يرى نفسه مكلّفاً بإتيان الجزء المشكوك فيه ، بخلاف القائل بالاشتغال ، وهذا لايصير فارقاً فيما هما مشتركان فيه ; وهو الإتيان بالأجزاء المعلومة بداعوية الأمر بالمركّب .
[1] اُنظر فرائـد الاُصول ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 25 : 325 ، درر الفوائـد ، المحقّق الحـائري : 478 . [2] تقدّم في الصفحة 294 ـ 295 . [3] الإسراء (17) : 78 .