والحاصل : أنّ موارد التمسّك ببناء العقلاء إنّما هو فيما إذا اُحرز كون بناء العقلاء بمرأى ومسمع من المعصومين(عليهم السلام) ، ولم يحرز رجوع الناس إلى صناعة اللغة في زمن الأئمّة ; بحيث كان الرجوع إليهم كالرجوع إلى الطبيب .
فإن قلت : رجوع الصحابة في معاني مفردات القرآن إلى حَمَلة العلم ـ كابن عبّاس ونظرائه ـ ممّا لا سترة فيه ، وكون الرجل عربياً فصيحاً لا يوجب إحاطته بعامّة لغاته ، كما في غير العربي من الألسنة ، ولا شكّ أ نّه كان اُمّة كبيرة من الأصحاب مراجع فيما يتعلّق بالقرآن والحديث في توضيحهما وتفسيرهما وتبيين مفرداتهما .
على أنّ اللغة قد دوّنت في زمن المعصومين(عليهم السلام) ; فإنّ أوّل من دوّنه هو خليل بن أحمد الفراهيدي الذي عدّه الشيخ من أصحاب الصادق(عليه السلام) ، وبعده ابن دريد صاحب «الجمهرة» الذي هو من أصحاب الجواد(عليه السلام) ، وألّف ابن السكّيت «إصلاح المنطق» الذي قتله المتوكّل لتشيّعه ، وهذا يكشف عن كون التدوين والرجوع إلى معاجم اللغة كان أمراً دائراً .
قلت : لم يثبت رجوعهم إلى مثل ابن عبّاس وغيره في لغة القرآن ومفرداته ، بل الظاهر رجوعهم إلى مثله في تفسير القرآن المدّخر عنده من أصحاب الوحي .
وصرف تدوين اللغة في عصر الأئمّة(عليهم السلام) لا يدلّ على أخذ الناس اللغة بصرف التقليد ، كالرجوع إلى الطبيب والفقيه .
نعم ، الرجوع إلى كتب اللغة ربّما يوجب تشخيص المعنى بمناسبة سائر الجمل ، كما في رجوعنا إليها ، فصرف تدوين اللغة والرجوع إليها في تلك الأعصار لا يفيد شيئاً .