وأمّا قيامها مقام القطع الوصفي : فالظاهر قصور أدلّتها عن إثبات قيامه مقامه ; لأنّ الظاهر منها اليقين الطريقي ، فلا إطلاق فيها بالنسبة إلى الوصفي ; وإن كان لا يمتنع الجمع بينهما ، كما تقدّم .
وأ مّا قاعدة التجاوز : فلا شكّ أنّ دليل تلك القاعدة قاصر عن إقامتها مقام القطع الموضوعي بأقسامه ; لأنّ مفاده ـ كما عرفت ـ ليس إلاّ المضيّ تعبّداً ، والبناء على الوجود كذلك ، وهذا أجنبي عن القيام مقامه . نعم فيما إذا كان القطع طريقاً محضاً ويكون نفس الواقع بما هو هو موضوع الحكم لا يبعد إحرازه بالقاعدة ، لا بقيامها مقام القطع الطريقي ، بل بنتيجة القيام .
وقد يقال : إنّ للقطع جهات ، والجهة الثالثة منها جهة البناء والجري العملي على وفق العلم ; حيث إنّ العلم بوجود الأسد يقتضي الفرار عنه ، والمجعول في الاُصول المحرزة هي هذه الجهة ، فهي قائمة مقام القطع الطريقي بأقسامه[ 1 ] .
وفيه : أنّ مجرّد البناء على الوجود لا يقتضي القيام مقام القطع ، وليس في الأدلّة ما يستشمّ منها أنّ الجعل بعناية التنزيل مقام القطع في هذا الأثر . واشتراك القاعدة والقطع في الأثر ـ لو فرض تسليمه ـ لا يوجب التنزيل والقيام مقامه .
وبالجملة : إن كان المراد من قيام القاعدة مقام القطع كونها محرزة للواقع كالقطع ـ غاية الأمر أ نّها محرزة تعبّداً وهو محرز وجداناً ـ فهو صحيح ، لكنّه لا يوجب قيامها مقام القطع الموضوعي بأقسامه ، بل إطلاق القيام مقامه في الطريقي المحض أيضاً خلاف الواقع ، وإن كان المراد هو القيام بمعناه المنظور ففيها منع ، منشؤه قصور الأدلّة ، فراجعها .