والسرّ في ذلك : أنّ غاية ما يحكم به العقل هو أنّ المكلّف إذا طرء عليه العذر أو دام عذره وجهله لا يكون مستحقّاً للعقاب ، بل يخرج من زمرة الطاغين وعداد المخالفين ; لعدم المخالفة عن عمد ، وأ مّا كونه خارجاً من موضوع التكليف ; بحيث تختصّ فعلية الحكم بغير الجهّال وذوي الأعذار فلا وجه له ، وسيأتي أنّ الخطابات القانونية ليست مثل الخطابات الشخصية ; فإنّ الثانية لايجوز توجيهها لغير القادر ، بل يقبح خطاب العاجز بشخصه دون الاُولى . فحينئذ فلا وقع للسؤال عن أنّ إسراء الحكم إلى العاجز والجاهل إسراء بلا ملاك ، فارتقب .
وبذلك يتّضح : أنّ الفعلية والشأنية بالمعنى المعروف ـ من إنشائية الحكم بالنسبة إلى شخص كالجاهل والغافل والساهي والعاجز ، وفعليته بالنسبة إلى مقابلاتها ـ ممّا لا أساس له ; لأنّ الاشتراط الشرعي في بعضها غير معقول ، مع عدم الدليل عليه في جميعها . والتصرّف العقلي أيضاً غير معقول ; لعدم إمكان تصرّف العقل في إرادة الشارع ولا في حكمه ، وسيأتي توضيحه .
وبالجملة : أنّ الأحكام المضبوطة في الكتاب والسنّة لايعقل فيها هاتان المرتبتان بالمعنى الدائر بينهم ، فقوله تعالى : (وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيْتِ.)[ 1 ] إلى آخره لا يختلف بالنسبة إلى الجاهل والعالم ، ولا معنى للفعلية والشأنيـة في هـذا الحكم المجعول المنضبط ، بل جعل الحكم على العنوان وإجـراؤه بين المكلّفين عند ذكـر مخصّصاته ومقيّداتـه يوجب فعلية الحكم على عامّـة الناس ; سواء العالم والجاهل والقادر والعاجز ، وقد عرفت أنّ العقل يرفع حكم العقاب لانفس التكليف .