بعد بدليل آخر ، كالأحكام الكلّية التي تنشأ على الموضوعات ، ولا تبقى على ما هي عليها في مقام الإجراء .
فالمطلقات والعمومات قبل ورود المقيّدات والمخصّصات أحكام إنشائية بالنسبة إلى موارد التقييد والتخصيص ; وإن كانت فعليات في غير هذه الموارد . والذي نسمّيه حكماً فعلياً هو ما حاز مرتبة الإعلان ، وتمّ بيانه من قبل المولى بإيراد مخصّصاته ومقيّداته ، وآن وقت إجرائه وحان موقع عمله .
فحينئذ ; فقوله تعالى : (أوفُوا بِالعقُودِ)[ 1 ] بهذا العموم حكم إنشائي ، وما بقي بعد التقييد أو التخصيص حكم فعلي . هذا هـو المختار في معنى إنشائيـة الحكم وفعليته .
فتلخّص : أنّ الأحكام منقسمة إلى حكم إنشائي ; وهو مالم ير الحاكم صلاحاً في إجرائه ; وإن كان نفس الحكم ذا صلاح ، كالأحكام المودوعة عند صاحب الأمر الواصلة إليه من آبائه(عليهم السَّلام) ، أو يرى صلاحاً في إجرائه ، ولكن أنشأ بصورة العموم والإطلاق ; ليلحق به خصوصه وقيده ، هو نفسه أو وصي بعده ، وإلى حكم فعلي قد بيّن وأوضح بخصوصه وقيوده ، وآن وقت إجرائه وانفاذه .
وعليه : إذا فرضنا حصول عائق عن وصول الحكم إلى المكلّف ـ وإن كان قاصراً عن إزاحة علّته ـ أو عروض مانع ، كالعجز والاضطرار عن القيام بمقتضى التكليف لا يوجب ذلك سقوط الحكم عن فعليته ولايمسّ بكرامتها ولا يسترجعه إلى ورائه ، فيعود إنشائياً ; لأنّ ذلك أشبه شيء بالقول بانقباض إرادة المولى عند طروّ العذر وانبساطها عند ارتفاعه .