و استدل القوم عليه بوجوه : اتقنها و اهمها
, بل يمكن ان يقال انه الدليل الوحيد , هو بناء العقلاء على رجوع الجاهل على
العالم بل قد عد ذلك من القضايا الفطرية الارتكازية , و ان الانسان بفطرته و
ارتكازه واقف علي لزوم الاستعلام من العالم من غير فرق بين ان يرجع ذلك الى معاشه
و حياته المادى و غيره , فالجاهل بامور الصنائع يرجع الى الصناع , و المريض المسدود
عليه باب معالجة مرضه يرجع الى الاطباء , و هكذا .
و هذا البناء من العقلاء او الفطرة
الانسانية بمثابة , لا يرتدع عنه الانسان الا بقول صريح و نص مبين , ينادى باعلى
صوته : يا معشر العقلاء , يحرم عليكم الرجوع الى الصناع و الفلاح و الاطباء فيما
تجهلونه اذا لم يفد قولهم العلم , و لا يكفى في ذلك العمومات التى اوضحنا حالها
عند البحث عن حجية الظن من حرمة العمل بالظن و غيرها لا لانه لا يرى العمل
باقوالهم عملا بالظن بل عملا بالعلم كما قيل و ان كان له وجه ايضا , بل لان هذه
الامور المرتكزة التى فطر عليها الانسان فى حياته , بمثابة من الرسوخ و الاستحكام
, لا ينقدح فى اذهانهم ان الغرض من تلك العمومات , ردعها و قلعها من رأس و لا
ينتقل منها اليه , ما لم ينص عليه بصريح القول , و اوضح شاهد عليه , ان المخاطبين
فى عصر نزول هذه الايات , لم يتنبه احد و لم ينتقل و احد منهم الى ان الهدف منها
ردع تلك المرتكزات و انه لا يجوز بعد نزولها , العمل بقول الثقة , او لا يجوز
ترتيب اثر الملكية على اليد و غيرها من الامارات الظنية بل بقوا على ما كانوا و
عليه رجوع الجاهل فى احكامه العرفية او الشرعية فرع من فروع ذلك البناء , و صرح
قائم عليه .
و ربما يورد عليه : بان الامور العقلائية
انما يسمن و يغنى اذا كان بمرأى و منظر من النبي او الائمة من بعده حتى يستكشف من
سكوته رضاه , و من عدم ردعه كونه