مرضيا عنده و اما الامور العقلائية
المستحدثة , التى لم يكن في زمنهم عليه السلام منها عين و لا اثر , فلا يدل عدم
ردعه على رضائه , و ما نحن فيه من هذا القبيل , فان الامر الدارج فى ازمنتهم ,
انما هو الرجوع الى نظراء عبدالله بن عباس , و معاذ , و محمد بن مسلم و زرارة , و
ابن ابى يعفور , و ابان و . . . الذين اخذوا الاحكام , عن مستقى الوحى , و ائمة
الدين و عاشروهم مدة طويلة , حتى صاروا بطانة علومهم , و مخازن معارفهم , و معادن
اسرارهم , فنقلوا ما سمعوها باسماعهم و ابصروها باعينهم الى الاجيال القادمة من
دون اجتهاد و لا اعمال نظر , فارجعوا شيعتهم الى تلك العلماء الذين هذه سيرتهم , و
تلك كيفية اخذهم الاحكام عن ائمتهم , فكان رجوع الجاهل الي العلماء في ذلك الزمان
من رجوع الجاهل الي العالم بالعلم الوجداني , الحاصل لهم من مشافهة الائمة من دون
اجتهاد و لا اعمال نظر , و اما رجوع الجاهل فى اعصارنا فانما هو الى العلماء الذين
عرفوا الاحكام من طرق الامارات و الظنون الاجتهادية فليس هذا من ذاك .
و ان شئت قلت : ان الفقه فى هذه الاعصار
اخذت لنفسه صورة فنية و جائت على طراز سائر العلوم العقلية الفكرية بعد ما كان فى
اعصارهم من العلوم الساذجة , المبنية على سماع الاحكام من الائمة و بثها بين الناس
, من دون ان يجتهد فى تشخيص حكم الله او يرجح دليلا على الاخر , او يقيد و يخصص
واحدا بالاخر , الى غير ذلك من الاصول الدارجة فى زماننا , فلم يكن الرجوع الى مثل
علمائنا فى اعصارهم مرسوما حتى يستكشف من عدم ردعه رضاهم و انما حدث ذلك بعد ممر
الزمان , و مضى الدهور , و لم يرد دليل على مضى كل المرتكزات الا ما خرج بالدليل
حتى نأخذ به , و ليس لبناء العقلاء في ذلك الباب اطلاق او عموم حتى نتمسك به , بل
لابد ان يتصل كل فرد من هذه الامور العقلائية الى زمانهم عليهم السلام و لم يكن
الرجوع الى مثل تلك العلماء و الاجتهادات و الترجيحات موجودا فى اعصارهم حتى نستدل
بعدم ردعهم امضائهم و رجوع الجاهل في ايامنا الى العلماء و ان كان ارتكازيا لهم ,
الا انه لا يفيد كونه ارتكازيا ما لم يتصل بزمانهم .