ثمّ إنّ القول باختيار الإنسان لا
يتعارض مع القضاء والقدر ، الذي هو من الأُصول المسلّمة في الكتاب والسنّة ، وليس
لمسلم واع أن ينكر واحداً منهما ، إلاّ أنّ المشكلة في توضيح ما يراد منهما ، فإنّه
المزلقة الكبرى في هذا المقام ، ولأجل ذلك نذكر المعنى الصحيح لهذين اللفظين ، الذي
يدعمه الكتاب ، وأحاديث العترة الطاهرة.
أمّا القدر : فالظاهر من موارد استعماله
أنّه بمعنى الحدّ والمقدار ، وإليه تشير الآيات التالية :
١ ـ قوله تعالى : ( قَدْ
جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا )[٢].
٢ ـ قوله تعالى : ( وَاللهُ
يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ )[٣].
٣ ـ قوله تعالى : ( وَمَا
نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ )[٤].
وأمّا القضاء : فقد ذكروا له معاني
كثيرة.
والظاهر أنّه ليس له إلاّ معنى واحد ، وما
ذكر من المعاني كلّها مصاديق لمعنى واحد.
وأوّل من تنبّه لهذه الحقيقة ، هو
اللغويّ المعروف أحمد بن فارس بن زكريا ، يقول : القضاء أصل صحيح يدلّ على إحكام
أمر وإتقانه ، وإنفاذه لجهته ، قال الله تعالى : ( فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ
سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ )[٥] ، أي احكم
خلقهن ... إلى أن قال : والقضاء الحكم ، قال الله سبحانه في ذكر من قال : ( فَاقْضِ
مَا أَنتَ قَاضٍ )[٦] ، أي اصنع
وأحكِم ، ولذلك سمّي القاضي قاضياً ، لأنّه