وأمّا في عهد أمير المؤمنين عليه السلام وإن احييت السنن الإسلاميّة والعدل والقسط إلى حد معين، غير أنّ الانحرافات التي حدثت عقب وفاة النّبي الأكرم صلى الله عليه و آله طيلة 35 سنة الواحد تلو الآخر والتي أدت في الختام إلى الخروج على حكومة عثمان، وبالتالي قتله، جعلت من المتعذر إعادة المسيرة لما كانت عليه خلال المدّة القليلة لحكومة الإمام علي عليه السلام وبقاء العناصر الخطيرة من الحكومات السابقة كمعاوية وبني أمية وبني مروان، الحقيقة التي يعترف بها كلّ من تمعن بهذه الحقيقة من التاريخ الإسلامي دون تعصب وباستطاعة المسلمين اليوم الظفر بعزتهم واقتدارهم بالاستلهام من كلمات الإمام عليه السلام وانسجام الولاة والرعايا والحكام والشعوب.

ثم تناول الإمام عليه السلام الآثار السيئة لتقاعس الوالي والرعية عن حقوق بعضها البعض وقال: «وَإِذَا غَلَبَتِ الرَّعِيَّةُ وَالِيَهَا، أَوْ أَجْحَفَ‌ [1] الْوَالِي بِرَعِيَّتِهِ، اخْتَلَفَتْ هُنَالِك‌ الْكَلِمَةُ، وَظَهَرَتْ مَعَالِمُ الْجَوْرِ، وَكَثُرَ الْادْغَالُ‌ [2] فِي الدِّينِ، وَتُرِكَتْ مَحَاجُ‌ [3] السُّنَنِ، فَعُمِلَ بِالْهَوَى، وَعُطِّلَتِ الأَحْكَامُ، وَكَثُرَتْ عِلَلُ النُّفُوسِ».

فبيّن الإمام عليه السلام أيضاً سبع مفاسد لعدم الانسجام بين الحاكم والشعب والذي لمسناه كراراً في حكومات الجور؛ اختلاف الكلمة، الظلم والجور، البدعة والخداع، ترك المنهاج الواضح، العمل بالأهواء والاستبداد، ثم تطرق اثر ذلك إلى النتيجة النهائيّة لهذه الأوضاع المؤسفة فقال: «فَلَا يُسْتَوْحَشُ لِعَظِيمِ حَقٍّ عُطِّلَ، وَلَا لِعَظِيمِ بَاطِل فُعِلَ! فَهُنَالِك تَذِلُّ الأَبْرَارُ، وَتَعِزُّ الأَشْرَارُ، وَتَعْظُمُ تَبِعَاتُ اللَّه سُبْحَانَهُ عِنْدَ الْعِبَادِ».

فهذه الأمور الخمسة نتيجة مباشرة وغير مباشرة لحكومات الجور، فالناس في ظلّ هذه البيئة يعتادون على إبطال الحقوق ولا يكترثون لرواج الباطل فتصبح هذه‌

[1]. «اجحف» من «الإجحاف» هضم حقوق الآخرين ومادته الأصلية «جحف» على وزن «محو» بمعنى إزالة الشي‌ء.

[2]. «ادغال» إدخال ما يفسد الشي‌ء. من مادة «دغل» على وزن «دخل» الدخول في مكان خفية لاغفال الصيد.

[3]. «محاج» جمع «محجة» الجادة الواضحة والسوية من «الحج» بمعنى القصد فالإنسان يقصد دائماً الطريق الواضح.