ثم خاض الإمام عليه السلام في فلسفة هذين الحقّين فقال: «فَجَعَلَهَا نِظَاماً لِالْفَتِهِمْ، وَعِزًّا لِدِينِهِمْ، فَلَيْسَتْ
تَصْلُحُ الرَّعِيَّةُ إِلَّا بِصَلَاحِ الْوُلَاةِ، وَلَا تَصْلُحُ الْوُلَاةُ
إِلَّا بِاسْتِقَامَةِ الرَّعِيَّةِ».
فرعاية هذه الحقوق لها في الواقع آثار مادية مهمة ومعنوية فالعبارة «فَجَعَلَهَا نِظَاماً لِالْفَتِهِمْ» إشارة لآثارها المادية والظاهرية والعبارة «عِزّاً لِدِينِهم» لآثارها
المعنوية والروحية، وإلى هذه الحقيقة أشارت العبارتان بعدها إلى صلاح الرعية
والوالي وفسادهما تداخلًا مع بعضهما ولكل منها أثره على الآخر، فالوالي الفاسد
يسوق الرعية إلى الفساد والرعية الصالحة تضطر الوالي لقبول الحق والعدل، وإن صلحا
معاً توفرت أفضل الظروف لرقي المجتمع وتطوره.
ثم خاض في الآثار السلبيّة لتقاعس الطرفين في أداء الحقوق، بعبارة أوضح وأبلغ
عدّد هذه الآثار الواحد تلو الآخر فقال:
«فَإِذَا أَدَّتِ الرَّعِيَّةُ إِلَى الْوَالِي حَقَّهُ، وَأَدَّى الْوَالِي
إِلَيْهَا حَقَّهَا عَزَّ الْحَقُّ بَيْنَهُمْ، وَقَامَتْ مَنَاهِجُ الدِّينِ،
وَاعْتَدَلَتْ مَعَالِمُ الْعَدْلِ، وَجَرَتْ عَلَى أَذْلَالِهَا[1] السُّنَنُ،
فَصَلَحَ بِذلِك الزَّمَانُ، وَطُمِعَ فِي بَقَاءِ الدَّوْلَةِ، وَيَئِسَتْ
مَطَامِعُ الأَعْدَاءِ».
فقد بيّن الإمام عليه السلام هنا سبعة آثار مهمّة لأداء الحقوق المتبادلة بين
الوالي والرعية؛ أولها: العزّة والاقتدار، وثانيها: قيام مناهج الدين وضعف البدع،
وثالثها: ارتفاع راية العدل في البلاد الإسلاميّة، ورابعها: إحياء السنّة،
وخامسها: كنتيجة لما سبق، صلاح الوسط الاجتماعي، وسادسها: الطمع في بقاء الحكومة
ودوامها، وسابعها: يأس الأعداء، وقد اتضح هذا الأمر على عهد النّبي الأكرم صلى
الله عليه و آله حيث كان أعظم مؤد لحقوق الأمّة وكانت أغلبيتها الساحقة تؤدي حق
الطاعة فبدت واضحة تلك الآثار السبعة.
[1]. «اذلال «جمع «ذلّ» على وزن «ظلّ»
بمعنى جادة محكمة ومستقيمة وبسبب كثرة المرور عليه أصبحتقوية، وأصل هذه الكلمة
مأخوذة من «ذلّت».