بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ ما خَلْفَهُمْ وَ لا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً[1] فهو يعلم ما
قدّم المجرمون و ما فعلوه في الدنيا، و هو مطّلع على كلّ أفعالهم و أقوالهم و
نيّاتهم في الماضي و ما سيلاقونه من الجزء في المستقبل، إلّا أنّهم لا يحيطون بعلم
اللّه. و بهذا فإنّ إحاطة علم اللّه سبحانه تشمل العلم بأعمال هؤلاء و بجزائهم، و
هذان الركنان في الحقيقة هما دعامة القضاء التامّ العادل، و هو أن يكون القاضي
عالما و مطّلعا تماما على الحوادث التي وقعت، و كذلك يعلم بحكمها و جزائها.
في ذلك اليوم: وَ عَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ
الْقَيُّومِ.
«العنت» من مادة العنوة، و قد وردت
بمعنى الخضوع و الذلّة، و لذلك يقال للأسير: «عاني»، لأنّه خاضع و ذليل في يد
الأسر. و إذا رأينا الخضوع قد نسب إلى الوجوه هنا، فلأنّ كلّ الإحساسات النفسية، و
من جملتها الخضوع، تظهر آثارها أوّلا على وجه الإنسان.
و احتمل بعض المفسّرين أنّ الوجوه هنا تعني الرؤساء و الزعماء و أولياء الأمور
الذين يقفون في ذلك اليوم أذلّاء خاضعين للّه. إلّا أنّ التّفسير الأوّل أقرب و
أنسب.
إنّ انتخاب صفتي «الحي و القيّوم» هنا من بين صفات اللّه سبحانه، لأنّهما
يناسبان النشور أو الحياة و قيام الناس جميعا من قبورهم «يوم القيامة».
و تختتم الآية بالقول: وَ قَدْ
خابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً فالظلم و الجور
كالحمل العظيم الذي يثقل كاهل الإنسان، و يمنعه من السير و الرقي إلى نعم اللّه
الخالدة، و إنّ الظالمين- سواء منهم من ظلم نفسه أو ظلم الآخرين- لما يرون بأعينهم
في ذلك اليوم خفيفي الأحمال يهرعون إلى الجنّة، و هم قد جثوا حول جهنّم ينظرون
[1]- احتمل بعض المفسّرين أنّ ضمائر
الجمع في الجملة الأولى تعود إلى الشافعين، و احتمل البعض أيضا أنّ الضمير في (به)
يعود إلى أعمال المجرمين و نتائجها، و لكن ما ذكرناه أعلاه هو الأصحّ كما يبدو.
دقّقوا ذلك.