و لمّا كانت طريقة القرآن غالبا هي بيان تطبيقي للمسائل، فإنّه بعد أن بيّن
مصير الظالمين في ذلك اليوم، تطرّق إلى بيان حال المؤمنين فقال: وَ مَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَلا
يَخافُ ظُلْماً وَ لا هَضْماً[1].
التعبير ب مِنَ الصَّالِحاتِ إشارة إلى أنّهم إن لم يستطيعوا أن يعملوا كلّ الصالحات فليقوموا ببعضها،
لأنّ الإيمان بدون العمل الصالح كالشجرة بلا ثمرة، كما أنّ العمل الصالح بدون
إيمان كالشجرة من دون جذر، إذ قد تبقى عدّة أيّام لكنّها تجفّ آخر الأمر، و لذلك
ورد قيد وَ هُوَ مُؤْمِنٌ بعد ذكر العمل الصالح في الآية.
قاعدة: لا يمكن أن يوجد العمل الصالح بدون إيمان، و لو قام بعض الأفراد غير
المؤمنين- أحيانا- بأعمال صالحة، فلا شكّ أنّها ستكون ضئيلة و محدودة و استثنائية،
و بتعبير آخر: فإنّ العمل الصالح من أجل أن يستمر و يتأصّل و يتعمّق يجب أن يروى
من عقيدة سالمة و إعتقاد صحيح.
بحثان
1- الفرق بين الظلم و الهضم
قرأنا في الآية الأخيرة من الآيات محلّ البحث أنّ المؤمنين الصالحين لا يخافون
ظلما و لا هضما، و قال بعض المفسّرين: إنّ «الظلم» إشارة إلى أنّ هؤلاء لا يخافون
مطلقا من أن يظلموا في تلك المحكمة العادلة و يؤاخذوا على ذنوب لم
[1]- «الهضم» في اللغة بمعنى النقص، و
إذا قيل لجذب الغذاء إلى البدن: هضم، فلأنّ الغذاء يقلّ ظاهرا و تبقى فضلاته.