يدعو الداعي الإلهي جميع البشر إلى الحياة و الاجتماع في المحشر للحساب فيلبّي
الجميع دعوته و يتّبعونه يَوْمَئِذٍ
يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لا عِوَجَ لَهُ.
هل إنّ هذا الداعي (إسرافيل) أم ملك آخر من ملائكة اللّه المقرّبين؟ القرآن لم
يشخّص و يحدّد ذلك بدقة، و كائنا من كان فإنّ أمره نافذ لا يقدر أي أحد على
التخلّف عنه.
و جملة «لا عوج» أ يمكن أن تكون وصفا لدعوة هذا الداعي، أو وصفا لاتّباع
المدعوين، أو لكليهما. و ممّا يلفت النظر أنّه كما أنّ سطح الأرض يصبح صافيا و
مستويا بحيث لا يبقى فيه أي اعوجاج، فإنّ أمر اللّه و الداعي أيضا كلّ منهما صاف و
مستقيم جلي، و اتّباعه واضح لا سبيل لأي انحراف و اعوجاج إليه.
عند ذلك: «وَ خَشَعَتِ الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ
فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً»[1]. إنّ هدوء الأصوات أو خشوعها هذا إمّا هو لهيمنة العظمة
الإلهيّة على عرصة المحشر حيث يخضع لها الجميع، أو خوفا من الحساب و نتيجة
الأعمال، أو لكليهما.
و بما أنّ بعض الغارقين في الذنوب و المعاصي قد يحتمل أن تنالهم شفاعة
الشافعين و تنجيهم، فإنّه يضيف مباشرة:
يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَ رَضِيَ
لَهُ قَوْلًا و هذا إشارة إلى أنّ الشفاعة هناك ليست
اعتباطية و عشوائية، بل إنّ هناك تخطيطا دقيقا لها، سواء ما يتعلّق بالشافعين أو
المشفوع لهم، و ما دام الأفراد لا يملكون الأهلية و الاستحقاق للشفاعة، فلا معنى
حينئذ لها.
و الحقيقة هي أنّ جماعة ينظرون إلى الشفاعة بمنظار خاطئ، فهم يتصورون أنّها لا
تختلف عن أساليب الدنيا و مراوغاتها، في حين أنّ الشفاعة في منطق الإسلام مرحلة
تربوية متقدّمة، و عامل مساعد لهؤلاء الذين يطوون طريق الحقّ
[1]- «الهمس»- كما يقول الراغب في
مفرداته- يعني الصوت الخفي و المنخفض. و فسّره بعضهم بأنّه الصوت الخفي للقدم
الحافية، و البعض بحركة الشفاء من دون أن يسمع معها صوت، و لا يوجد تفاوت كبير بين
هذه المعاني.