عند انتهاء
الدنيا، و ربّما كان ذلك لأنّهم لم يكونوا يصدّقون إمكانية تصدّع و زوال هذه
الجبال العظيمة التي امتدّت جذورها في أعماق الأرض و شمخت رؤوسها إلى السّماء، و
إذا كان بالإمكان قلعها من مكانها فأي هواء أو طوفان له مثل هذه القدرة، و لذلك
يقول: وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ و الجواب:
فَقُلْ يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفاً[1].
يستفاد من
مجموع آيات القرآن حول مصير الجبال أنّها تمرّ عند حلول القيامة بمراحل مختلفة:
في ترجف و
تهتزّ أوّلا: يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَ الْجِبالُ[2].
و في المرحلة
الثّالثة تتلاشى و تتحوّل إلى كثبان من الرمل: وَ
كانَتِ الْجِبالُ كَثِيباً مَهِيلًا[4].
و في المرحلة
الأخيرة سيزحزحها الهواء و الطوفان من مكانها و يبعثرها في الهواء و تبدو كالصوف
المنفوش: وَ تَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ[5] ثمّ تقول الآية: إنّ اللّه سبحانه بعد تلاشي الجبال و تطاير ذرّاتها
يأتي أمره إلى الأرض فَيَذَرُها قاعاً صَفْصَفاً[6] لا تَرى فِيها عِوَجاً وَ لا أَمْتاً[7]
و في ذلك الحين
[1]- «نسف» في اللغة تعني وضع الحبوب الغذائية
في الغربال و غربلتها، أو ذرها في الهواء لينفصل الحبّ عن القشر، و هنا إشارة إلى
تلاشي الجبال و تهشّمها، ثمّ تناثرها في الهواء.
[6]- «القاع»: الأرض المستوية، و فسّره البعض
بأنّه المكان الذي يجتمع فيه الماء. و أمّا «الصفصف» فقد فسّرت أحيانا بأنّها
الأرض الخالية من كلّ أنواع النباتات، و أحيانا بمعنى الأرض المستوية. و يستفاد من
مجموع هذين الوصفين أنّ كلّ الجبال و النباتات ستمحى من على وجه الأرض في ذلك
اليوم و ستبقى الأرض مستوية خالية.
[7]- «العوج» بمعنى
الاعوجاج، و «الأمت» أي الأرض المرتفعة و الربية، و بناء على هذا فإنّ معنى الآية
هو أنّه لا يرى في ذلك اليوم أي ارتفاع و انخفاض على وجه الأرض.