في الواقع،
إنّ جملة وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً جاءت في
مقابل وصف العجل و جهله و عجزه الذي ذكر قبل عدّة آيات.
بحثان
1- يجب
الثبات أمام الحوادث الصعبة
إنّ طريقة
موسى عليه السّلام في مقابلة انحراف بني إسرائيل في عبادتهم العجل، يمكن أن تكون
مثلا يقتدى به في كلّ زمان و مكان في مجال مكافحة الانحرافات الصعبة المعقّدة.
فلو أنّ موسى
عليه السّلام كان يريد أن يقف أمام مئات الآلاف من عبدة العجل و يواجههم بالموعظة
و النصيحة و قدر من الاستدلال فقط لما حالفه الفوز و النجاح، فقد كان عليه أن يقف
بحزم هنا أمام ثلاثة أمور: أمام أخيه، و السامري، و عبدة العجل، فبدأ أوّلا بأخيه
فأخذ بمحاسنه و جرّه إليه و صرخ في وجهه، فهو في الحقيقة قد شكّل محكمة له- و إن
كانت قد ثبتت برائته في النهاية- حتّى يحسب الآخرون حسابهم.
ثمّ توجّه
إلى المسبّب الأصلي لهذه المؤامرة- أي السامري- فحكمه بحكم كان أشدّ من القتل، و
هو الطرد من المجتمع و عزله و تبديله إلى موجود نجس ملوّث يجب أن يبتعد عنه
الجميع، ثمّ تهديده بعقاب اللّه الأليم.
ثمّ جاء إلى
عبدة العجل من بني إسرائيل، و وضّح لهم بأنّ ذنبكم كبير لا توبة منه إلّا أن تشهر
السيوف و يقتل بعضكم بعضا ليتطهّر هذا المجتمع من الدماء الفاسدة، و بهذه الطريقة
يعدم جماعة من المذنبين بأيديهم، ليتوارى هذا الفكر الخطر المنحرف عن عقول هؤلاء،
و قد بيّنا شرح هذه الحادثة في ذيل الآيات 51- 54 من سورة البقرة تحت عنوان: «توبة
لم يسبق لها مثيل».