المستكبرين
الجبابرة في عصرنا! بناء على هذا فإنّهم بعد حرقه كسروه قطعا صغيرة بآلات معيّنة،
ثمّ ألقوا ذرّاته في البحر.
و السؤال
الآخر هو: هل يجوز إلقاء كلّ هذا الذهب في البحر، ألا يعدّ إسرافا؟
و الجواب: قد
يكون مثل هذا التعامل مع الأصنام واجبا في بعض الأحيان، إذا أريد منه تحقيق هدف
أهمّ و أسمى، كتحطيم و سحق فكرة عبادة الأصنام، لئلّا يبقى بين الناس مادّة
الفساد، و تكون باعثا للوسوسة في صدور بعض الناس.
و بعبارة
أوضح: فإنّ موسى عليه السّلام لو أبقى الذهب الذي استعمل في صناعة العجل، أو قسّمه
بين الناس بالسويّة، فربّما نظر إليه الجاهلون يوما ما نظرة تقديس، و تحيا فيهم من
جديد فكرة عبادة العجل، فيجب أن تتلف هذه المادّة الغالية الثمن فداء لحفظ عقيدة
الناس، و ليس هناك أسلوب آخر لذلك و بهذا فإنّ موسى بطريقته الحازمة و تعامله
الجازم الذي اتّخذه مع السامري و عجله استطاع أن يقطع مادّة عبادة العجل، و أن
يمحو آثارها من العقول، و سنرى فيما بعد كيف أثّر هذا التعامل القاطع مع عبّاد
العجل في عقول بني إسرائيل [1].
و شخص موسى
في آخر جملة، و مع التأكيد الشديد على مسألة التوحيد، حاكمية نهج اللّه، فقال:
إِنَّما إِلهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ
عِلْماً فليس هو كالأوثان المصنوعة التي لا تسمع كلاما، و لا تجيب سائلا، و
لا تحلّ مشكلة، و لا تدفع ضرّا.
[1]- نقرأ نظير هذا التعامل القاطع من أجل قلع
جذور الأفكار المنحرفة في شأن مسجد ضرار في القرآن كإشارة سريعة، و في التاريخ و
الحديث بصورة مفصّلة، بأنّ النّبي صلى اللّه عليه و آله و سلم قد أمر أوّلا بحرق
مسجد ضرار، و أن يهدموا الباقي منه، و يجعلوا مكانه محلّلا لأوساخ و قاذورات و
فضلات الناس (و لمزيد التوضيح راجع التّفسير الأمثل في ذيل الآيات 107- 110 من
سورة التوبة).