فكلّ واحدة من هذه المجرّات العظيمة تضمّ مليارات من الكواكب، و عدد المجرات و
الفواصل بينها كبير بدرجة تثير الدهشة حين حساب المسافة بينها بسرعة الضوء، علما
بأنّ سرعة الضوء تبلغ ثلاثمائة ألف كيلومترا في الثّانية.
و الدقّة المستخدمة في بناء أصغر وحدة من هذا العالم هي ذاتها التي استخدمت في
أوسع بناء فيه.
و الإنسان- بحسب علمنا- أكمل المخلوقات التي نعرفها في الوجود، و هو أسمى نتاج
لهذا العالم، و من جهة أخرى يلاقي الآلام و المشاكل الكثيرة خلال عمره القصير حتّى
يبلغ أشدّه!! فما يكاد ينهي مرحلة الطفولة بآلامها و مشاكلها و يتنفّس الصعداء
منها حتّى يدخل مرحلة الصبا و الشباب بتقلّباتها الشديدة المدمّرة.
و ما يكاد يثبت قدميه بعد في هذه المرحلة حتّى تدهمه مرحلة جديدة مفعمة بألوان
الأذى و أنواع المصاعب، هي مرحلة الكهولة و الشيخوخة، فيتّضح له مدى ضعفه و عجزه.
فهل يصدق أن يكون هدف هذا الكائن العظيم الأعجوبة في الخلق، الذي يسمّى
الإنسان، يأتي هو أن إلى هذا العالم ليقضي عددا من السنين، و ليمرّ بكلّ هذه
المراحل بما فيها من آلام و مصاعب، و ليأكل مقدارا من الطعام و يلبس لباسا و ينام
و ينهض ثمّ يموت و ينتهي كلّ شيء. و إذا كانت هذه هي الحقيقة، ألا يعني هذا عبثا؟
أ تكون كلّ هذه التشكيلات العظيمة من أجل غاية دنيئة كالأكل و الشرب و النوم؟
افرضوا بقاء نوع الإنسان ملايين السنين في هذه الدنيا، و تتعاقب الأجيال، و
ترتقي العلوم الماديّة فتوفّر أفضل المأكل و الملبس و المسكن و أعلى مستوى من
الرفاهية للبشر، أ تكون تشكيلات الوجود كلّه من أجل هذه المقاصد الدنيا؟