جهل هذه
الامّة، كلّ ذلك كان له أثر في ظهور هذه الحادثة و الانحراف الكبير عن التوحيد،
لأنّ الحوادث الاجتماعية لا تقع عادة بدون مقدّمات، غاية ما هناك أنّ هذه
المقدّمات تكون تارة واضحة و علنية، و أخرى مستورة و خفيّة.
على كلّ حال،
فإنّ الشرك في أسوأ صورة قد أحاط ببني إسرائيل، و أخذ بأطرافهم، خاصة و أنّ كبار
القوم كانوا مع موسى في الجبل، و كان زعيم الأمّة هارون وحيدا دون أن يكون له
مساعدون أكفّاء مؤثّرون.
و أخيرا أخبر
اللّه موسى في الميعاد بما جرى لقومه و السامري إذ تحكي الآية التالية ذلك فتقول:
قالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَ أَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُ.
غضب موسى عند
سماعه هذه الكلمات غضبا التهب معه كلّ وجوده، و ربّما كان يقول لنفسه: لقد تحمّلت
المصائب و المصاعب خلال هذه السنين الطويلة، و أرهقت نفسي و واجهت كلّ الأخطار في
سبيل أن تركن هذه الامّة إلى التوحيد، فكيف ذهبت جهودي أدراج الرياح بمجرّد أن غبت
عنها عدّة أيّام فَرَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ
أَسِفاً.
و ما أن وقعت
عينه على ذلك المنظر القبيح، منظر عبادة العجل قال أَ لَمْ
يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً. و هذا الوعد الحسن إمّا أن
يكون وعد بني إسرائيل بنزول التوراة و بيان الأحكام السماوية فيها، أو الوعد
بالنجاة و الإنتصار على الفراعنة و وراثة حكومة الأرض، أو الوعد بالمغفرة و العفو
للذين يتوبون و يؤمنون و يعملون الصالحات، أو أنّه كلّ هذه الأمور.
ثمّ أضاف:
أَ فَطالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ و هو يشير إلى أنّه: هبوا أنّ مدّة
رجوعي قد طالت من ثلاثين إلى أربعين يوما، فإنّ هذا الزمن ليس طويلا، ألا يجب
عليكم أن تحفظوا أنفسكم في هذه المدّة القصيرة؟ و حتّى لو نأيت عنكم سنين طويلة
فينبغي أن تلتزموا بالتعاليم الإلهيّة التي تعلمّتموها و تؤمنوا بالمعجزات التي