و معاص، فيرتفع صراخه و عويله قالَ رَبِّ
ارْجِعُونِ.
ارجعني يا ربّ لَعَلِّي أَعْمَلُ
صالِحاً فِيما تَرَكْتُ. و لكن قانون الخلق العادل
لا يسمح بمثل هذه العودة، لا يسمح بعودة الصالح و لا الطالح، فيأتيه النداء
الدامغ كَلَّا.
إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها. كلام لم يصدر من أعماقه. لم يصدر بإرادته، إنّه يشبه كلام امرئ مسيء يردّد
إذا أحسّ بالعقاب، أو كلام قاتل حين إعدامه. و متى هدأت العاصفة بوجههم عادوا
لسابق أعمالهم القبيحة. و هذا يشبه ما ورد في الآية الثامنة و العشرين من سورة
الأنعام وَ لَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا
عَنْهُ.
و تشير الآية في نهايتها إلى عالم البرزخ الغامض بعبارة قصيرة ذات دلالة كبيرة وَ مِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ.
بحوث
1- من هو المخاطب في قوله تعالى: رَبِّ
ارْجِعُونِ؟
بملاحظة كلمة «ربّ» التي هي مخفّف «ربّي» بمعنى إلهي، تشير بداية الجملة إلى
أنّ المخاطب هو اللّه سبحانه و تعالى، إلّا أنّ مجيء «ارجعون» بصيغة الجمع يمنع
أن يكون المخاطب هو اللّه عزّ و جلّ. و هذا التعبيران في الجملة السابقة يثيران
سؤالا و تساؤلا.
يرى عدد من المفسّرين أنّ المخاطب هو اللّه، و صيغة الجمع هنا للاحترام و
التعظيم. و لكن استعمال صيغة الجمع في مخاطبة المفرد ليس مألوفا في العربية، خاصّة
فيما مضى، و لا نظير له في القرآن المجيد، و بهذا يتّضح ضعف هذا