فإذا كان الرّسول صلى اللّه عليه و آله و سلّم مع عصمته و منزلته السامية عند
اللّه، يدعوه سبحانه بهذا الدعاء، فما بالك بمسؤولية الآخرين؟ يجب أن يدعوا اللّه
ألّا يكلهم إلى أنفسهم طرفة عين. و ليس فقط ألّا يقعوا تحت تأثير همزات الشياطين،
بل ألّا يحضرهم الشياطين في مجالسهم. فعلى محبّي الحقّ و الذّابين عنه و ناشديه أن
يفوّضوا أمرهم إلى اللّه، ليحفظهم من وساوس الشياطين و مكائدهم.
2- ردّ السيّئة بالحسنة
من أبرز السبل المؤثّرة في مكافحة الأعداء الأشدّاء و المعاندين ردّ السيّئة بالحسنة،
فذلك يوقظ مشاعرهم، فيحاسبون أنفسهم على ما اقترفوه من أعمال سيّئة، و يعودون
للصواب غالبا. و نجد في سيرة الرّسول صلى اللّه عليه و آله و سلّم و أئمّة الهدى
عليهم السّلام هذا المنهج بشكل واضح، حيث يردّون سيّئات الجنازة بالإحسان إليهم و
الإنعام عليهم، فيكسبون ودّهم، و يفجّرون في جوارحهم استجابة للحقّ، و رفضا
للباطل.
و قد ذكر القرآن المجيد هذه السيرة للمسلمين مرارا باعتبارها مبدأ أساسيّا
لاقتلاع السيّئات، ففي الآية الرّابعة و الثلاثين من سورة فصّلت نقرأ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَ بَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ
وَلِيٌّ حَمِيمٌ.
و الجدير بالذكر أنّ هذا الأمر خاص بحالات لا يسيء العدو الاستفادة من هذا
المبدأ، و يرى إحسانهم إليه أو عفوهم عنه ضعفا منهم، فيزداد جرأة على العدوان و
الظلم.
و هذه السيرة لا تعني مساومة الأعداء أو التسليم لهم. و هذا قد يكون السبب في
أنّ اللّه عزّ و جلّ أمر الرّسول صلى اللّه عليه و آله و سلّم بعد ذكر هذه التوصية
مباشرة بالتعوّذ به من همزات الشياطين و حضورهم حوله.