و من الطبيعي أيضا أنّها سوف تسعى لاستكمال ذاتها، و تحاول ضمّ بقيّة المناطق
إلى حوزتها، و هذا السعي للتكامل و التنافس في الاقتدار مدعاة لوقوع العالم فريسة
بين مخالب الناقصين الباحثين عن السيطرة على غيرهم، و النتيجة هي فساد العالم و
دماره.
و بهذا تكون كلتا الجملتين في الآية إشارة إلى دليل منطقي واحد، و لا تصل
النوبة إلى حصر الجملة في جهة إقناعية و ليست منطقية.
السؤال الوحيد الباقي في هذا المورد هو أنّ البرهان المذكور يصحّ فيما لو
فرضنا أنّ الآلهة تسعى للتغلّب و السيطرة المطلقة، أمّا لو فرضناها حكيمة و عالمة،
فما المانع من أنّ تدير العالم بالتشاور فيما بينها؟
لقد أجبنا عن هذا السؤال في تفسيرنا للآية الثّانية و العشرين من سورة النساء،
في بحث برهان التمانع، و لا حاجة لتكراره هاهنا.
و الآية التالية تردّ على المشركين المغالطين فتقول: عالِمِ الْغَيْبِ وَ الشَّهادَةِ أي إنّ اللّه يعلم ظاهر الأشياء و باطنها، فكيف تتصوّرون وجود إله آخر
تعرفونه أنتم و لا يعرفه الربّ الذي خلقكم و الذي يعلم الغيب و الشهادة في هذا
العالم؟
هذا البيان يشبه ما ورد في الآية الثامنة عشرة من سورة يونس قُلْ أَ تُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِما لا يَعْلَمُ فِي
السَّماواتِ وَ لا فِي الْأَرْضِ؟! و بهذه
العبارة يبطل تصوراتهم الخرافيّة: فَتَعالى
عَمَّا يُشْرِكُونَ.
و ختام هذه الآية يشبه ختام الآية الثامنة عشرة من سورة يونس و هو سُبْحانَهُ وَ تَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ. و هذا يدلّ على وحدة الموضوع.
كما أنّ هذه العبارة تهديد موجّه للمشركين بأنّ اللّه الّذي يعلم السرّ و
العلن، يعلم ما تقولونه. و سيحاسبكم عليه يوم القيامة في محكمته العادلة.