و تأتي بعد مرحلة الإيمان بآيات اللّه، مرحلة تنزيهه عن كلّ شبهة و شريك،
فتقول الآية: وَ الَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا
يُشْرِكُونَ.
و نفي الشرك جاء نتيجة للإيمان بآيات اللّه تعالى، و هو معلول الإيمان، أي أنّ
الإيمان باللّه يشير إلى صفاته تعالى الثبوتية، و نفي الشرك يشير إلى صفاته تعالى
السلبية. و على كلّ حال فقد تضمّنت هذه العبارة نفي أنواع الشرك، سواء كانت جليّة
أم خفيّة.
بعد هذا تأتي مرحلة الإيمان بالمعاد و البعث، و الاهتمام الخاص الذي يوليه
المؤمنون الحقيقيّون لهذه القضيّة، التي تساعدهم عمليّا في السيطرة على أعمالهم و
أقوالهم، فتقول الآية: وَ الَّذِينَ يُؤْتُونَ
ما آتَوْا وَ قُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلى رَبِّهِمْ راجِعُونَ.
إنّهم ليسوا كالشخص الكسول الدنيء الهمّة الذي يأتي بأقلّ الأعمال ثمّ يتصوّر
انّه من المقرّبين عند اللّه. و يتملّكه العجب و الغرور بحيث يرى الآخرين صغار و
حقراء، بل إنّ هؤلاء لا يطمئنّون و لا يبتهجون بأكبر عمل مهما زكا و سما، بل و
ينجزون الأعمال الصالحة التي تعادل عبادة الثقلين. و مع كلّ هذا يقولون: آه من
قلّة الزاد و بعد السفر! و بعد شرح الآيات السابقة لهذه الصفات الأربعة تقول
الآية: أُولئِكَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ و الأعمال الحسنة، و السعادة الحقيقيّة ليست كما يتصوّرها
المترفون الغافلون المغرورون بالحياة الدنيا. إنّما هي في إنجاز الأعمال الصالحة قربة
إلى اللّه كما يفعل المؤمنون الصادقون، المتّصفون بالخصائص الإيمانيّة و الأخلاقية
السالفة الذكر الذين يسارعون في الخيرات.