و دليل على قرب منزلتهم من اللّه؟ بَلْ لا
يَشْعُرُونَ أنّ كثرة أموالهم و أولادهم نوع من العذاب، أو
مقدّمة للعذاب و لعقاب اللّه، إنّهم لا يدركون أنّ ما أغدق عليهم ربّهم من نعم
إنّما هو من أجل أن يتورّطوا في العقاب الإلهي. و يمسي عقابهم أشدّ ألما، لأنّ
الإنسان إذا أغلقت دونه أبواب النعمة ثمّ حلّ به العذاب، فقد لا يكون بتلك الدرجة
موجعا و مؤلما أمّا الذين يعيشون في أوساط مرفّهة ثمّ يلقى بهم في دهاليز السجون و
الزنزانات المرعبة، فسيكون ألم ذلك شديدا عليهم جدّا.
كما أنّ زيادة النعمة من شأنها أن تزيد حجب الغفلة و الغرور عليهم فتمنعهم من
العودة إلى طريق الصواب.
و هذا هو ما أشارت إليه معظم آيات القرآن في قضيّة (الاستدراج في النعم) [1].
و كلمة «نمدّ» مشتقة من «الإمداد» و هو إتمام النقص و الحيلولة دون القطع، و
إيصال الشيء إلى نهايته.
و بعد نفي تصورات هؤلاء الغافلين، تستعرض هذه الآيات وضع المؤمنين و المسارعين
في الخيرات، و تبيّن صفاتهم الرئيسيّة، فتقول: إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ
مُشْفِقُونَ. و الخشية لا تعني مطلقا الخوف، بل تعني الخوف
المقترن بالتعظيم و التقديس.
و كلمة «المشفق» مشتقّة من «الإشفاق» و من أصل: الشفق، أي: الضياء المخالط
للظلمة، و تعني الخوف الممزوج بالمحبّة و الإجلال.
و لكون الخشية ذات جانب عاطفي، و الإشفاق ذا جانب عملي، ذكرا معا إيضاحا
للعلّة و المعلول في الآية. فهي تعني أنّ الخوف المخلوط بتعظيم اللّه قد استقرّ في
قلوبهم، و قد بدت علائمه في أعمالهم و التزامهم بالتعاليم الإلهيّة. أي أنّ
[1]- للاطلاع بشكل أوسع على موضوع
الاستدراج يراجع تفسير الآية 182 من سورة الأعراف.