الكريمة فَجَعَلْناهُمْ غُثاءً أي جعلناهم كهشيم النبات يحمله السيل فَبُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ.
تعليقات:
1- الحياة المترفة و أثرها المشؤوم
بيّنت الآيات السابقة العلاقة بين «الترف» (حياة الأشراف المنّعمين) و بين
«الكفر و إنكار لقاء اللّه» و هذه هي الحقيقة بعينها. فالذين يعيشون مترفين يطلقون
العنان لشهواتهم الحيوانية. فمن الواضح أنّهم لا يقبلون برقابة إلهيّة، و لا
يعترفون بيوم البعث حيث تنتظرهم محكمة العدل الإلهي، و الإقرار بذلك يؤنّب ضمائرهم
و يثير الناس عليهم، لهذا فانّ هؤلاء الأشخاص لا يقرّون بالعبودية للّه، و ينكرون
المبدأ و المعاد، و يرون الحياة كما ذكرت الآيات السابقة إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَ نَحْيا
وَ ما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ.
هذا هو شعارهم المعبّر عن فتنتهم و ضلالهم الصارخ: فلنغتنم هذه الفرصة فلا خبر
جاء و لا وحي نزل، و من يدّعي ذلك فهو كاذب! و عصفور في اليد خير من عشرة على
الشجرة ... هكذا كانوا يبرّرون إنكارهم ليوم البعث.
إضافة إلى ذلك فتحقيق مثل هذه الحياة المترفة لا تتمّ بدأ إلّا بسلب حقوق
الآخرين و ظلمهم، و هذا لا يكون إلّا بإنكار رسالة الأنبياء و القيامة و لهذا نرى
الذين عاشوا في بذخ مترف يحتقرون كلّ القيم السماوية و ينكرون كلّ شيء إلهي.
هؤلاء الحمقى أصبحوا أسرى لأهوائهم النفسيّة، فخرجوا عن طاعة اللّه و أصبحوا
عبيدا لأهوائهم و شهواتهم، بل أصبحوا عبيدا لعبيد آخرين، بنفسيّة وضيعة، و قلوب
سوداء قاتمة، و مستقبل موحش، على الرغم من أنّ البعض يتصوّر أنّهم متنّعمون و
سيبقون كذلك، غير أنّ القلق الذي يسيطر عليهم من عقاب اللّه و زوال نعمته و الخوف
من الموت لا يدع لهم راحة.