و يحتمل أن يكون هذا الماء الذي نرتوي به بعد إخراجه من أعماق الأرض من قطرات
مطر نزل قبل آلاف السنين و خزن في أعماق الأرض حتّى اليوم، دون أن يتعرّض لتلوّث
أو فساد.
و على كلّ حال فإنّ الذي خلق الإنسان ليحيا، و جعل الماء أساسا لحياته، بل
أكثرها أهميّة، خلق له مصادر كثيرة من هذه المادّة الحيوية و خزنها له قبل أن
يخلقه! و بالطبع هناك احتياطي من هذه المادّة الحيوية فوق قمم الجبال (على شكل
ثلوج). تراه يذوب خلال السنة و ينحدر إلى السهور، و قسم آخر لا زال فوق قمم الجبال
منذ مئات بل آلاف السنين، ينتظر الأمر بالذوبان على أثر تغيير حرارة الجو لينحدر
إلى السهول و الوديان ليروي الأرض و يزل العطش عنها.
و بملاحظة حرف الجر «في» في عبارة «في الأرض» يبدو لنا أنّ الآية تشير إلى
مصادر المياه الجوفية و ليس السطحية.
و تشير الآية التالية إلى الخير و البركة في نعمة المطر، أي المحاصيل الزراعية
الناتجة عنه فتقول: فَأَنْشَأْنا لَكُمْ
بِهِ جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَ أَعْنابٍ لَكُمْ فِيها فَواكِهُ كَثِيرَةٌ وَ
مِنْها تَأْكُلُونَ. فمضافا إلى التمر و العنب
اللذين يعتبران أهمّ المحاصيل الزراعية فانّ فيها أنواع أخرى من الفواكه كثيرة.
و لعلّ عبارة وَ مِنْها تَأْكُلُونَ إشارة إلى أنّ محاصيل هذه الجنّات ذات الخيرات الواسعة لا
تنحصر بالفواكه المأكولة فقط، و أنّ المأكولات تشكّل قسما من خيراتها، فهذه
البساتين (و منها بساتين النخيل) لها فوائد كثيرة أخرى لحياة الإنسان، حيث يصنع
الإنسان أوراقها حصرا يجلس عليها، و أحيانا يصنع منها لباسا لنفسه، و يعمل من
أخشابها منازل لسكناه. و يستخرج دواءه من بعض
[1]- و يجب ملاحظة أنّ الماء الملوّث
يصفى عند مروره من القشرة النافذة في معظم الأوقات!